الصــوفــيــة
الصوفية موصوفون بأنهم تركوا الدنيا فخرجوا عن الأوطان، وهجروا الأخدان، وساحوا في البلاد، وأجاعوا الأكباد، وأعرَوا الأجساد، وإنما ينالون من الطعام قدر ما يقيم الصلب للضرورة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “بحسب ابن ءادم أكلات يُقمن صلبه” رواه الترمذي.
وأنشدوا: (الطويل)
فلو كانت الدنيا جزاءً لمحسنٍ * * * * * * إذًا لم يكن فيها معيشٌ لظالم
لقد جاع فيها الأولياء كرامةً * * * * * * وقد شبعت فيها بطون البهائم
ويقول الكلاباذي: “وعلى هذا سماهم قومٌ جوعية لأن الجوع من صفات القوم وهو من أهم أمور المجاهدة، ومخالفة النفس وغلبتها، فإن أرباب السلوك قد تدرجوا إلى اعتياد الجوع والإمساك عن الأكل إلا عند الضرورة وخشية الضرر، ووجدوا ينابيع الحكمة في الجوع، لأن الشبع يحرك شهوات الإنسان ويستثيرها، والجوع يحرك الإنسان إلى الطاعة. وكثرت الحكايات عنهم في ذلك. قال الله تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَىْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) ﴾ [سورة البقرة]. فبشرهم بجميل الثواب في الصبر على مقاساة الجوع”.
قال يحيى بن معاذ: “لو أن الجوع يباع في السوق لما كان ينبغي لطلاب الآخرة إذا دخلوا السوق أن يشتروا غيره”.
وقال أبو سليمان الداراني: “جوع قليل وسهر قليل يقطع عنك الدنيا”.
واعلم أن هذا كله لمن لا يخشى على نفسه الضرر والهلاك فالمطلوب أن يأكل القدر الضروري الذي ينجيه من أن يضر نفسه ويهلكها.
وقال رجل لسهل بن عبد الله التستري: “من أصحب من طوائف الناس فقال: “عليك بالصوفية، فإنهم لا يستكبرون، ولا يستكثرون”.