كان ابتداء ظهور أمره في الشرق سنة ۱۱٤٣ هـ واشتهر أمره بعد ١١٥٠ هـ بنجد وقراها، توفي سنة ١٢٠٦ هـ، وقد ظهر بدعوة ممزوجة بأفكار منه زعم أنها من الكتاب والسُّنة، وأخذ ببعض بدع تقي الدين أحمد بن تيمية فأحياها، وهي: تحريم التوسّل بالنبيّ، وتحريم السفر لزيارة قبر الرسول وغيره من الأنبياء والصالحين بقصد الدعاء هناك رجاء الإجابة من الله، وتكفير من ينادي بهذا اللفظ: يا رسول الله أو يا محمد أو يا علي أو يا عبد القادر أغثني أو بمثل ذلك إلا للحيّ الحاضر، وإلغاء الطلاق المحلوف به مع الحنث وجعله كالحلف بالله في إيجاب الكفارة، وعقيدة التجسيم لله والتحيز في جهة. وابتدع من عند نفسه: تحريم تعليق الحروز التي ليس فيها إلا القرآن وذكر الله وتحريم الجهر بالصلاة على النبيّ عقب الأذان، وأتباعه يحرّمون الاحتفال بالمولد الشريف خلافا لشيخهم ابن تيمية.ا
مفتي الشافعية في مكة يذم محمد بن عبد الوهابا
قال الشيخ أحمد زيني دحلان مفتي مكة في أواخر السلطنة العثمانية في تاريخه تحت فصل فتنة الوهابية، (1) [كان – اي محمد بن عبد الوهاب – في ابتداءأمره من طلبة العلم في المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، وكان أبوه رجلا صالحا من أهل العلم وكذا أخوه الشيخ سليمان، وكان أبوه وأخوه ومشايخه يتفرسون فيه أنه سيكون منه زيغ وضلال لما يشاهدونه من أقواله وأفعاله ونزغاته في كثير من المسائل، وكانوا يوبخونه ويحذّرون الناس منه، فحقق الله فراستهم فيه لما ابتدع ما ابتدعه من الزيغ والضلال الذي أغوى به الجاهلين وخالف فيه أئمة الدين، وتوصل بذلك إلى تكفير المؤمنين فزعم أن زيارة قبر النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) والتوسل به وبالأنبياء والأولياء والصالحين وزيارة قبورهم للتبّرك شرك، وأن نداء النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) عند التوسل به شرك، وكذا نداء غيره من الأنبياء والأولياء والصالحين عند التوسل بهم شرك، وأن من أسند شيئا لغير الله ولو على سبيل المجاز العقلي يكون مشركا نحو: نفعني هذا الدواء، وهذا الولي الفلاني عند التوسل به في شىء، وتمسك بأدلة لا تنتج له شيئًا من مرامه، وأتى بعبارات مزورة زخرفها ولبّس بها على العوام حتى تبعوه، وألف لهم في ذلك رسائل حتى اعتقدوا كفر كثر أهل التوحيد] ا.هـ.ا
إلى أن قال (2) [وكان كثير من مشايخ ابن عبد الوهاب بالمدينة يقولون: سيضل هذا أو يضل الله به من أبعده وأشقاه، فكان الأمر كذلك. وزعم محمّد بن عبد الوهاب أن مراده بهذا المذهب الذي ابتدعه إخلاص التوحيد والتبري من الشرك، وأن الناس كانوا على الشرك منذ ستمائة سنة، وأنه جدّد للناس دينهم، وحمل الآيات القرءانية التي نزلت في المشركين على أهل التوحيد كقوله تعالى ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِمَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ﴾، (سورة الأحقاف/٥). وكقوله تعالى﴿وَلاَ تَدْعُمِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ﴾(سورة يونس/١٠٦)، وكقوله تعالى ﴿وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ﴾(سورة الرعد/١٤). وأمثال هذه الآيات في القرءان كثيرة، فقال محمد بن عبد الوهاب: من استغاث بالنبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) أو بغيره من الأنبياء والأولياء والصالحين أو ناداه أو سأله الشفاعة فإنه مثل هؤلاء المشركين ويدخل في عموم هذه الايات، وجعل زيارة قبر النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم)ا وغيره من الأنبياء والأولياء والصالحين مثل ذلك – يعني للتبرّك – وقال في قوله تعالى حكاية عن المشركين في عبادة الأصنام ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّالِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ا سورة الزمر/٣، إن المتوسلين مثل هؤلاء المشركين الذين يقولون ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ اسورة الزمر/٣] اهـ.اا
ثم قال (3) [روى البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) في وصف الخوارج أنهم انطلقوا إلى ءايات نزلت في الكفار فحملوها على المؤمنين، وفي رواية عن ابن عمر أيضا أنه (صلّى الله عليه وسلّم) قال “أخوف ما أخاف على أمتي رجل يتأول القرءان يضعه فيغير موضعه” فهو وما قبله صادق على هذه الطائفة] ا.هـ. ا
ثم قال (4) [وممن ألف في الرد على ابن عبد الوهاب أكبر مشايخه وهو الشيخ محمد بن سليمان الكردي مؤلف حواشي شرح ابن حجر على متن بافضل (5)، فقال من جملة كلامه: “يا ابن عبد الوهاب إني أنصحك أن تكف لسانك عن المسلمين] اهـ.ا
ثم قال الشيخ أحمد زيني دحلان (6) [ويمنعون من الصلاة على النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) على المنائر بعد الأذان حتى إن رجلاً صالحا كان أعمى وكان مؤذنا وصلى على النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) بعد الأذان بعد أن كان المنع منهم، فأتوا به إلى محمد بن عبد الوهاب فأمر به أن يقتل فقتل. ولو تتبعت لك ما كانوا يفعلونه من أمثال ذلك لملأت الدفاتر والأوراق وفي هذا القدر كفاية] ا. هـ. ا
أقول: ويشهد لما ذكره من تكفيرهم من يصلي على النبيّ أي جهرا على المئاذن عقب الأذان ما حصل في دمشق الشام من أن مؤذن جامع الدقاق قال عقب الأذان كعادة البلد: الصلاة والسلام عليك يا رسول الله جهرا، فكان وهابي في صحن المسجد فقال بصوت عال: هذا حرام هذا مثل الذي ينكح أمه، فحصل شجار بين الوهابية وبين أهل السنة وضرب، فرفع الأمر إلى مفتي دمشق ذلك الوقت وهو أبو اليسر عابدين فاستدعى المفتي زعيمهم ناصر الدين الألباني فألزمه أن لا يدرّس وتوعده إن خالف ما ألزمه بالنفي من البلاد.ا
ويعني محمد بن عبد الوهاب بالستمائة سنة القرن الذي كان فيه ابن تيمية وهو السابع إلى الثامن الذي توفي فيه ابن تيمية إلى القرن الثاني عشر. وهي التي كان يقول فيها محمد بن عبد الوهاب إن الناس فيها كانوا مشركين وإنه هو الذي جاء بالتوحيد ويعتبر ابن تيمية جاء بقريب من دعوته في عصره، كأنه يعتبره قام في عصر انقرض فيه الإسلام والتوحيد فدعا إلى التوحيد وكان هو التالي له في عصره الذي كان فيه وهو القرن الثاني عشر الهجري. فهذه جرأة غريبة من هذا الرجل الذي كفر مئات الملايين من أهل السنّة وحصر الإسلام في أتباعه، وكانوا في عصره لا يتجاوز عددهم نحو المائة ألف. وأهل نجد الحجاز الذي هو وطنه لم يأخذ أكثرهم بعقيدته في حياته وإنما كان الناس يخافون منه لما علموا من سيرته لأنه كان يسفك دماء من لم يتبعه. وقد وصفه بذلك الأمير الصنعاني صاحب كتاب سبل السلام فقال فيه أولا قبل أن يعرف حاله قصيدة أؤّلها:ا
مفتي الحنابلة في مكة يذم محمد بن عبد الوهابا
قال مفتي الحنابلة بمكة المتوفى سنة ١٢٩٥ هـ الشيخ محمد بن عبد الله النجدي الحنبلي في كتابه “السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة” في ترجمة والد محمد بن عبد الوهاب بن سليمان ما نصّه (8) [وهو والد محمّد صاحب الدعوة التي انتشر شررها في الافاق، لكن بينهما تباين مع أن محمدًا لم يتظاهر بالدعوة إلا بعد موت والده،اوأخبرني بعض من لقيته عن بعض أهل العلم عمّن عاصر الشيخ عبد الوهاب هذا أنه كان غضبان على ولده محمد لكونه لم يرض أن يشتغل بالفقه كأسلافه وأهل جهته ويتفرس فيه أن يحدث منه أمر، فكان يقول للناس: يا ما ترون من محمد من الشر، فقدّر الله أن صار ما صار، وكذلك ابنه سليمان أخو الشيخ محمد كان منافيًا له في دعوته ورد عليه ردًا جيدا بالآيات والآثار لكون المردود عليه لا يقبل سواهما ولا يلتفت إلى كلام عالم متقدمًا أو متأخرا كائنا من كان غير تقي الدين بن تيمية وتلميذه ابن القيم فإنه يرى كلامهما نصّا لا يقبل التأويل ويصول به على الناس وإن كان كلامهما على غير ما يفهم، وسمى الشيخ سليمان رده على أخيه “فصل الخطاب في الرد على محمّد بن عبد الوهاب” وسلّمه الله من شرّه ومكره مع تلك الصولة الهائلة التي أرعبت الأباعد، فإنه كان إذا باينه أحد ورد عليه ولم يقدر على قتله مجاهرة يرسل إليه من يغتاله في فراشه أو في السوق ليلا لقوله بتكفير من خالفه واستحلاله قتله، وقيل إن مجنونًا كان في بلدة ومن عادته أن يضرب من واجهه ولو بالسلاح، فأمر محمدٌ أن يعطى سيفًا ويدخل على أخيه الشيخ سليمان وهو في المسجد وحده، فأدخل عليه فلما رءاه الشيخ سليمان خاف منه فرمى المجنون السيف من يده وصار يقول: يا سليمان لا تخف إنك من الآمنين ويكررها مرارا، ولا شك أن هذه من الكرامات]. ا.هـ. ا
وقول مفتي الحنابلة الشيخ محمد بن عبد الله النجدي إن أبا محمد بن عبد الوهاب كان غاضبا عليه لأنه لم يهتم بالفقه معناه أنه ليس من المبرزين بالفقه ولا بالحديث، إنما دعوته الشاذة شهرته، ثم أصحابه غلوا في محبته فسموه شيخ الإسلام والمجدّد، فتبًا لهم وله، فليعلم ذلك المفتونون والمغرورون به لمجرد الدعوة، فلم يترجمه أحد من المؤرخين المشهورين في القرن الثاني عشر بالتبريز في الفقه ولا في الحديث.ا
قال ابن عابدين الحنفي في ردّ المحتار ما نصّه (9) [مطلب في أتباع ابن عبد الوهاب الخوارج في زماننا: قوله: “ويكفرون أصحاب نبينا صلّى الله عليه وسلّم” علمت أن هذا غير شرط في مسمى الخوارج، بل هو بيان لمن خرجوا على سيدنا علي رضي الله تعالى عنه، والا فيكفي فيهم اعتقادهم كفر من خرجوا عليه، كما وقع في زماننا في أتباع محمد بن عبد الوهاب الذين خرجوا من نجد وتغلّبوا على الحرمين، وكانوا ينتحلون مذهب الحنابلة، لكنهم اعتقدوا أنهم هم المسلمون وأن من خالف اعتقادهم مشركون، واستباحوا بذلك قتل أهل السنّة قتل علمائهم حتى كسر الله شوكتهم وخرب بلادهم وظفر بهم عساكرالمسلمين عام ثلاث وثلاثين ومائتين وألف]. ا.هـ.ا
الامام الصاوي المالكي يذم محمد بن عبد الوهابا
وقال الشيخ أحمد الصاوي المالكي في تعليقه على الجلالين ما نصه (10) [وقيل هذه الآية نزلت في الخوارج الذين يحرفون تأويل الكتاب والسنة ويستحلون بذلك دماء المسلمين وأموالهم كما هو مشاهد الآن في نظائرهم، وهم فرقة بأرض الحجاز يقال لهم الوهابية يحسبون أنهم على شىء ألا انهم هم الكاذبون، استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون، نسأل الله الكريم أن يقطع دابرهم] اهـ. فالحذر الحذر من اتباع محمد بن عبد الوهاب وهم الوهابية اليوم.ا
ا(2) أنظر الكتاب (٢/ ٦٧). ا
ا(4) أنظر الكتاب (٢/ ٦٩). ا
ا(6) أنظر الكتاب (٢/ ٧٧). ا
ا(8) أنظر السحب الوابلة على ضرانح الحنابلة (ص/ ٢٧٥). ا
ا(10) مرءاة النجدية (ص/ ٨٦).ا