كل المواضيع

كتم العيوب وستر العورات

كتم العيوب وستر العورات

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

كتم العيوب وستر العورات:

   – قال الله تعالى { إن الذين يُحبونَ أن تَشِيعَ الفاحشةُ في الذين آمنوا لهم عذابٌ أليمٌ في الدنيا والآخرة }

(النور).

وقد جاء بالاسناد المتصل الصحيح في كتاب المُسْتَدرَك للحاكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال :” من رأى عورةً فَسَتَرها كان كمن أحيا مَوْؤدةً من قبرها ” رواه الامام احمد. هذا الحديث الصحيح يُخبرنا بأن من رأى عورةً لمسلمٍ فَسَتَرَهَا أي لم ينشرها بين الناس بل أخفاها فله أجرٌ كأجرِ من أنقذ مولودةً دُفنت وهي حية كما كان العرب في الجاهلية يفعلون.

التائب من الذنب كمن لا ذنب له:

   – قبل أن يُبعث الرسول صلى الله عليه وسلم بمدة كان هذا الشيء معروفاً عند العرب، وبعض أصحاب رسول الله عندما كانوا على الجاهلية فكان بينهم رجل معروف بالكرم والحلم حدثت له حادثة ففعل هذا (أي وَأْد البنات). والحادثة هي أن قبيلة من قبائل العرب أغارتْ عليهم فَسَبتْ له بنتاً أسيرة ثم حصل صلح بين القبيلتين وكانت هذه البنت قد تعلق قلبها بواحدٍ من تلك القبيلة التي أسَرَتها وهو مَالَ اليها وتَعلَّق قلبُه بها فخُيّرت بين الرجوع الى ابيها والبقاء مع هذا الرجل فاختارته على أبيها مع أن أباها وجيهٌ في قومه وكريم وسخي وحليم ومعروف بالذكر الحسن عند الناس فغضب منها وحلف أنه إن جاءته بنات بعد ذلك أن يدفنهن وهن حيّات. فكان كلما ولدت له واحدة يدفنها الى أن اكتمل عدد ثمان. ثم بعد أن أسلم نَدِمَ على ما فعل ندامةً شديدةً فسأل رسولَ الله ماذا يفعل حتى يُغْفَرَ له ما سبق له من وَأْدِ بناتِه الثمان فقال له : ” إعتق رقاباً ” فقال : أنا صاحب ابل. فتصدق بنحو مائة ابل.

   – ثم إن الله سبحانه وتعالى ذكر في القرآن الكريم تقبيحَ هذا الامر أي وأد البنات، قال تعالى { وإذا الموؤدة سُئِلَتْ بأي ذنبٍ قُتِلَتْ } (التكوير) لأنه من أشنع الجرائم.

فالرسول صلى الله عليه وسلم شَبَّهَ أجرَ الذي رأى عورةَ مسلمٍ أي ما يُعاب عليه ويُتحى منه لو اطَّلع عليه الناسُ فَسَتَرها عليه شبّه أجره بأجرِ الذي رأى موؤدةً فأنقذها قبل أن تموتَ وتختنقَ في التراب في القبر. وهذا دليل على ما لهذه الطاعة من عظيم أجر عند الله فضلا عن انها تُقرب بين قلوب المؤمنين وتُقوي صلات المحبة بينهم.

قصة أخرى :

   – جاء رجل الى عمر بن الخطاب أمير المؤمنين رضي الله عنه وقال له : يا أميرَ المؤمنين إني كنتُ وأدتُ بنتاً لي في الجاهلية دفنتُها ثم أخرجتُها قبل أن تموتَ ثم أدركنا الاسلامَ فأسلمتْ بعدما كبرت (يعني ابنته) ونحن أسلمنا ثم ارتكبتْ حداً من حدودِ الله وهي شابة فأخذتْ شفرة لتذبح نفسها (أي من عُظمِ ما وقعت فيه من الفضيحة) فأدرَكْنَاها وقد قطعتْ بعضَ أوداجها (وهي عروق العنق من الجانبين) فداوَيْنَاها ثم تابتْ توبةً حسنةً ثم خُطِبَتْ الينا من قوم فأخبرتُهم ببعض ما جرى لها وان ابنتي كان سَبَقَ لها كذا وكذا مما هو عار وعيب حتى يُقدموا على إتمام خِطبتها أو يتركوها (يزعم أنه ينصح الذي يخطبها) فقال له عمر ” أنت تبثُّ عيباً سَتَره الله تعالى، لئن أخبرتَ بذلك أحداً لأجعلنك نكالاً يتحدث به أهل الامصار “. معناه لئن عُدْتَ بعد هذا الى اشاعة هذه الفاحشة التي سبقت لابنتك لأجعلنك نكالا أي عبرة للناس بعقوبةٍ أنزلها بك يتحدثُ بها أهلُ المدن : فلان ابن فلان فَعَلَ كذا وأجرى عليه أمير المؤمنين كذا.

   – يؤخذ من هذه القصة أن المسلم العاصي بعد أن يتوب لا يجوز ذكره بالعار والعيب الذي سَبَقَ له مهما كان ذلك العارُ ومهما كانت تلك الفاحشة، لا يجوز أن تُكشفَ بعد أن يتوبَ ذلك المسلم أو تلك المسلمة، لأن العبرة بالحال الراهنة فالانسانُ يتنقل في أحوالٍ شتى بعمره، مرةً تحصُلُ منه شنيعة ثم أخرى ثم يتطهّر من هذه الشنائع ويصير إنساناً طاهراً تقياً.

الحذر من اشاعة الفاحشة بين المؤمنين :

إخوة الايمان، كما سمعتم في الحديث الشريف الذي مرّ ذكره وما فيه للمسلم من فضل في ستر عورة أخيه وحث على عدم بثها وفضحه بها. فاحذروا أن تكونوا ممن يتمادون في تهشيم عِرْضِ المسلم أي يُكثرون الوقيعةَ فيه وتهشيمه أينما ذهبوا ويتخذونها عادةً لهم، فهؤلاء ذنبهم كذنب أشد الربا كما قال عليه الصلاة والسلام :” إن من اربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق ” رواه ابو داود. أي يمضي ليلَه ونهارَه في أن يدور على الناس ليهشم هذا المسلمَ فهذا من أكبر المذنبين عند الله تعالى. والتهشيمُ هو ذكر معايبه وفضحهُ عند الناس والتمادي في ذلك. وإن هذا كثيراً ما يؤدي الى قطيعةٍ وهجرٍ بين الاخوةِ في الدين. فمن كان مظلوماً فلا يتكلم إلا بحقه ولا تحمله العصبيةُ على فعل ما يُغضِبُ ربَّه وليكنْ وقافاً عند كتاب الله ساتراً لعيوب المسلمين مُحسناً للمسيىء اليه.

التحذير من الغش :

   – وأما الانسان الذي يغض في تجارته أو تدريسه باسم الدين او علم الدنيا أو الطبابة أو الصناعة أو غير ذلك من سائر فنون المعاملات فهذا يجب التحذير منه وبيان غشه للناس من باب النصيحة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” الدِينُ النصيحة ” رواه مسلم.

   – أخي المسلم، لقد حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على ستر العورات بأحاديثَ كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم :” لا يستر عبد عبداً في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة ” رواه مسلم.

وقد قال الشاعر :

إذا شِئتَ أن تَحيا سليماً من الأذى
وحظك مَوفورٌ وعِرْضُك صيّن
لسانك لا تذكر به عورةَ امرىء
فكلك عوراتٌ وللناسِ ألسنُ
وعينك إن أبدت إليك المعايبا
فصنها وقل يا عينُ للناسِ أعينُ
وعاشر بالمعروف وسامِحْ من اعتدى
وفارقْ ولكن بالتي هي أحسنُ

 
اللهم استرنا يوم العَرْضِ عليك فإن فضوحَ الدنيا أهونُ من فضوح الآخرة يا علام الغيوبِ وستار العيوب استر عيوبَنا وآمِنْ روعاتِنا واختمْ بالصالحاتِ أعمالَنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *