يا لَيْتَني قَدَّمتُ لِحَياتِي

 يا لَيْتَني قَدَّمتُ لِحَياتِي

   – الـمَوْقِفُ يَوْمَ القِيامَةِ واسِعٌ، الأرضُ تُمَدُّ مَدَّاً ليسَ فِيها جِبَالٌ ولاَ وِهَادٌ ولاَ أشْجارٌ ولاَ يُوجَدُ هُناكَ طريقٌ مَسْلوكٌ، الـملائِكَةُ تَسُوقُ النَّاسَ إلى حَيْثُ أمَرَهُمُ اللَّهُ فَقِسْمٌ يُوقِفونَهُم فِي الشَّمسِ وَقِسْمٌ يَأخُذُونَهم إلى مَكانٍ لاَ تَصِلُ إلَيهِ الشَّمْسُ تَحْتَ ظِلِّ العَرْش، ذَلكَ اليَومُ بِحِسابِ أيَّامِنا هَذهِ خَمْسُونَ ألفَ سَنَةٍ ، مِنْ وَقْتِ خُروجِ النَّاسِ منَ القَبْرِ إلى اسْتِقْرارِ أهلِ الـجَنَّةِ فِي الـجَنَّةِ وَأهْلِ النَارِ فِي النَّارِ هذا اليَومُ الطَّويلُ اللَّهُ يَجْعَلُهُ لِلتَّقِيِّ كَتَدَلِّي الشَّمْسِ لِلغُروبِ ، قَدْرَ ساعَةٍ تَقْريباً اللَّهُ يَمْلأُ قَلْبَ التَّقِيِّ سُرُوراً فلا يَمَلُّ ولاَ يُحِسُّ بِطولِ الوقْتِ، لأنَّ اللَّهَ ملأَ قَلْبَهُ سُرُوراً أمرُ الآخِرَةِ غَرِيبٌ، وَهكذَا عِندَما يكونُ الـمُؤمِنُونَ فِي الْـجَنَّةِ ، لاَ يَمَلُّونَ ولاَ يَحْتَاجونَ لِلنَّوْمِ من شِدَّةِ الفَرَحِ نُفُوسُهُمْ وَأَبدَانُهُم لاَ تَحْتَاجُ لِلنَومِ وهذا كُلُهُ بعدَ أن تُدَكَّ أي تَتَحَطَّمَ هذهِ الأرْضُ، جِبَالُها وأشْجَارُها وَالأبْنيَةُ التي كانتْ عَلَيْها كلُّها تَنْدَكُّ، ثُمَّ قَبْلَ ذلكَ اللَّه يَحْمِلُ العِبَادَ إلى ظُلمَةٍ عِنْدَ الصِّراطِ يُحْمَلُونَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ إلى هُناكَ ، ثُمَ بَعْدَ دَكِّ الأرْضِ وَتَحْويلِها أرْضًا بَيْضاءَ يُعِيدُهُمُ اللَّهُ إلَيْها، وَهُنَاكَ فِي قِسْمٍ مِنَ الوقتِ النَّاسُ يَكونونَ وُقوفاً بِلا كلامٍ، لا يُسْألونَ عن أعْمَالِهِم ثُمَّ يَأتي إذْنٌ فِيتَكلَّمُونَ جُمْلَةً، الأوْقَاتُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُوَزَّعَةٌ عَلَى أشْيَاءَ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالى: {فِيوْمَئِذٍ لاَ يُسْألُ عَنْ ذَنبِهِ إنْسٌ وَلاَ جَانّ} [سورة الرحْمٰن: 39 ]
أيْ قِسْمٌ مِنْ يَوْمِ القِيَامَةِ لاَ يُسْألُ أحَدٌ فِيهِ عَنْ ذَنْبِهِ يُتْرَكونَ سُكُوتاً ، وَهَذا الوَقْتُ الذي لا يُسْألُ فِيهِ أحَدٌ قَدْرُ ألْفِ سَنَةٍ.
 
   – وَيَوْمُ القِيَامَةِ لا يُوجَدُ فِيهِ شُرُوقٌ وَلا غُرُوبٌ الشَّمْسُ تكونُ واقِفَةً فِي الفَضَاءِ ، ثُمَّ بَعدَ انتِهاءِ الحِسَابِ هذهِ الأرْضُ تُرْمَى فِي جَهَنَّمَ أمّا السَّمَاواتُ تُوضَعُ فِي الجَنَّةِ وَالمسَاجِدُ تُنْقَلُ إلى الجَنَّةِ، وَرَدَ فِي الحَديثِ أنَّ المسَاجِدَ تُزَفُّ إلى الجَنَّةِ كَمَا تُزَفُّ العرُوسُ. أمّا مَسْجِدُ الرَّسُولِ الذي يَكْتَنِفُ اليَوْمَ القُبُورَ الثَّلاثَةَ قَبْرَ الرَّسُولِ وَأبي بَكْرٍ وَعَمَرَ التي صَارتْ فِي وَسَطِ المَسْجِد فَهَذا لاَ شَكَّ أنَّهُ يُنْقَلُ إلى الجَنَّةِ الرَّسُولُ أوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنهُ القَبْرُ ، ثُمَّ بَعْدَهُ سَائِرُ البَشَرِ تَنْشَقُّ عَنْهُم القُبورُ، هذِهِ الأمورُ الرَّسولُ أخبَرَ عَنها، الأنْبياءُ أوَّلاً تَنْشَقُّ عَنْهُمُ القُبورُ ثُمَّ أتْبَاعُهُم، الآنَ العرشُ وَاقِفٌ فِي الفَضَاءِ بِقُدْرَةِ اللَّهِ، اللَّهُ أمْسَكَهُ بِقُدْرَتِهِ مِنْ أنْ يَهوِيَ إلى أسْفَلَ، وَالسَّماواتُ السَّبْعُ وَاقِفَةٌ فِي الفَضَاءِ، مِنْ غَيْرِ أعْمِدَةٍ كَذلِكَ البَشَرُ يَوْمَ القِيَامَةِ بَعْدَ أنْ تُدَكَ الأرضُ اللَّهُ يَحْمِلُهُم بِقُدْرَتِهِ فِي تلكَ الظُّلمَةِ، ثُمَّ بَعْدَ تَحْوِيلِ الأرْضِ إلى أرْضٍ بَيْضَاءَ يُعِيدُهُم إليْها ، وَهَذهِ الأرْضُ كذلكَ مَحْمُولَةٌ بِقُدْرَةِ اللَّهِ وَلولاَ أنَّ اللَّهَ أمسَكَها بِقُدْرَتِهِ لَهَوَتْ إلى أسفَلَ كذلكَ الأرضُ التي تَحْتَها
مَحْمُولَةٌ بِقُدْرَةِ اللَّهِ لَيْسَ لها أعْمِدَةٌ تَرْتَكِزُ عَلَيْها.
 
   – ثُمَّ كُلُّ شَخْصٍ مِنْ أوَّلِ ما يَخْرُجُ مِنَ القَبْرِ يَكونُ مَعَهُ مَلَكانِ ، مَلَكٌ خَلْفهُ وَمَلَك أمَامَهُ يَسُوقَانِهِ إلى حَيْثُ أمَرَهُمُ اللَّهُ أنْ يَأخُذُوهُ. البَشَرُ لَمَّا يَخْرُجُونَ مِنَ القُبُورِ المَلائِكةُ يَسُوقُونَهُم إلى بَرِّ الشَّامِ ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُنْقَلونَ إلى تِلْكَ الظُّلمَةِ عِنْدَ الصِّرَاطِ ثُمَّ بَعْدَ تَبْديلِ الأرْضِ يُعَادونَ إلَيْها فِيكونُ الحِسَابُ علَيْها ثُمَّ بَعْدَ أنْ يَنْقُلوا قِسْماً إلى الجَنَّةِ وَقِسماً إلى النَّارِ وَلاَ يَبْقى فِيها أحَدٌ يَرْمِي اللَّهُ الأرْضَ فِي جَهَنَّمَ حَتَّى تَكُونَ زِيَادَةً فِي الوَقُودِ للكُفَّارِ. وَمِمَّا يَحْصُلُ يَوْمَ القِيَامَةِ أنَّ الكُفَّارَ يُسْألونَ فِيُنْكِرُونَ مَا كانوا عَلَيهِ مِنَ الكُفْرِ مِنْ عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ فِيَخْتِمُ اللَّهُ عَلَى أفْواهِهِم فَتَنْطِقُ أيْدِيَهُم وَأرْجُلَهُم فَتَشْهَدُ عَلَيْهِم بِما كانُوا يَفْعَلُونَ فيزدَادونَ خِزيًا وَحُزْنًا كَذلِكَ الأرْضُ التي فَعَلَ عَليها الإنْسَانُ مِنْ حَسَنَةٍ أوْ مَعْصِيَةٍ فِي هذهِ الدُّنيا اللَّهُ تَعَالى يُعِيدُهَا فَتَشْهَدُ عَليْهِ تَنْطِقُ وَتَقُولُ فُلانٌ فَعَلَ عَلَيَّ كَذَا وَكَذَا فِي وَقْتِ كَذَا وَكَذَا، هَذا مِنَ الأمُورِ الغَريبَةِ التي تَحْصُلُ فِي ذَلِكَ اليَوْم.
 
   – وَفِي هَذهِ الحَيَاةِ الدُّنيَا يأتي يَوْمٌ قَبْلَ يَوْمِ القِيَامَةِ تُكَلِّمُ فِيهِ السِّبَاعُ الإنْسَ ، اللَّهُ يُنْطِقُ السِّبَاعَ فيتَحَدَّثُونَ مَعَ الإنْسِ وَعَذَبَةُ السّوْطِ تُكَلِّمُ صَاحِبَهَا اللَّهُ تَعَالى يُنْطِقُهَا، عَذَبَةُ السَّوْطِ أيْ طَرَفُهَا الَّليِّنُ رَأسُها، أمُورٌ غَريبَةٌ جِداً تَظْهَرُ وَمِنْ ذَلِكَ أنَّ الملائِكَةَ قَبْلَ إدْخَالِ الكُفَّارِ إلى جَهَنَّمَ يَأخُذُونَ قِطْعَةٍ مِن جَهَنَّمَ وَيَأتُونَ بِها إلى جِهَةِ المَوْقِفِ. الكُفَّارُ يَنْظُرُونَ إليْها فِيقْلَقُونَ قَلَقًا شَدِيداً مِنْ رُؤيَتِها، أمّا المُؤمِنُونَ فلا يَقْلقُونَ لأِنَّهُم ءَامِنُونَ بِأنَّ هَذِهِ لِلْكُفَّارِ ، ثُمَّ يُعَادُ هَذا العُنقُ إلى أصْلِ جَهَنَّمَ هَذِهِ القِطْعَةُ الكبيرةُ تُعَادُ إلى جَهَنَّمَ ، سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ مِنَ المَلائِكَةِ يَجُرُّونَ تِلْكَ القِطْعَةَ بِسَلاَسِلَ. هَذِهِ القِطْعَةُ مِن كِبَرِهَا وَعِظَمِهَا يُؤتَى بِها إلى مَسَافَةٍ يَكُونُ مَا بَيْنَها وَبَيْنَ المَوْقِفِ أرْبَعُونَ سَنَةً مِنْ عِظَمِهَا وَكِبَرِها يَرَوْنَهَا وَهُم بَعِيدُونَ مِنْهَا ، مِنْ مَسَافَةِ أرْبَعِينَ سَنَةٍ كَما أنَّنَا نَرى هذِهِ السَّمَاءَ وَهِيَ بعيدةٌ مِنَّا مَسَافَةَ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ.
 
   – السَّماءُ أكْبَرُ مِنَ الأرضِ بِمَرَّاتٍ عَديدَةٍ بَابٌ مِن أبْوَابِ السَّماءِ ، مَسِيرَةُ عَرْضِهِ سَبْعُونَ سَنَةٍ وَيُوجَدُ أبْوابٌ أُخرى غَيْرُ هَذِهِ فَماذَا يَكُونُ جُمْلَةُ السَّمَاءِ إذا كانَ بابٌ مِنْهَا هذا مِسَاحَتُهُ لِذَلِكَ السَّماءُ يَرَاها أهْلُ الأرْضِ، بِدونِ تَعَبٍ أيْنَما كَانوا السَّماءُ دُونَها طَبَقَاتٌ مِنَ الغُيُومِ وَالسَّحَابِ ، السَّمَاءُ هي هَذِهِ التي لَوْنُهَا تُسَمُّونَهُ أزْرَقَ لَكِنَّ الرَّسُولَ سَمَّاهَا خَضْرَاءَ ، كُلُّ مَا سِوَى الأبيَضِ والأحْمَرِ فِي لُغَةِ العَرَبِ يُقَالُ لَهُ أخْضَرُ هَذِهِ السَّمَاءُ، عِندَمَا يَكُونُ صَحْوٌ نَرَاهَا. قَالَ الشَّاعِرُ وَهُوَ شَاعِرٌ مِن شُعَراءِ العَرَبِ وَكانَ أسْوَدَ اللّوْنِ: وَأنا الأخْضَرُ مَنْ يَعْرِفُني, أخْضَرُ الجِلْدَةِ مِنْ نَسْلِ العَرَبِ . الأرْضُ تُسَمَّى غبراءَ والسَّمَاءُ تُسَمَّى خَضْراء.
 
   – والأراضي السِّتَةُ غَيْرُ أرْضِنا هَذِهِ كَذَلِكَ تُرْمَى يَوْمَ القِيَامَةِ فِي جَهَنّمَ، الأراضي السِّتَّةُ الآنَ فِيها مِثْلُ الذي عَلَى هَذِهِ الأرْضِ مِنْ أنْهَارٍ وبِحَارٍ وأشْجَارٍ وَوُحُوشٍ وَبَهَائِمَ وغَيْرِ ذلِكَ إلاّ الإنْسُ، فِي كُلِّ أرْضٍ نَحْوُ مَا عَلَى هَذِهِ الأَرْضِ، قَالَ سَيِّدُنَا عَبْدُ اللَّهِ بنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما:عِنْدَ تَفسيرِ ءَايةِ: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [سورة الطلاق:12]. قَالَ فِي كُلِّ أرْضٍ نَحْوُ مَا عَلَى هَذِهِ الأرْضِ أي مِنَ المَخْلُوقَاتِ من غَيْرِ البَشَرِ.

أضف تعليق