مما يحتالونَ به لترويجِ عمَلِ السِّحرِ أنهم يخلِطونَ بعضَ الآياتِ القرءانيةِ بالسِّحرِ حتى يُوهموا الناسَ
مما يحتالونَ به لترويجِ عمَلِ السِّحرِ أنهم يخلِطونَ بعضَ الآياتِ القرءانيةِ بالسِّحرِ حتى يُوهموا الناسَ |
الحمد لله ربِّ العالمين لـه النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن صلوات الله البر الرحيم والملائكة المقربين على سيدنا محمد أشرف المرسلين وحبيب رب العالمين وعلى جميع إخوانه من النبيين والمرسلين وءال كل والصالحين وسلام الله عليهم أجمعين وبعد:
اعلم رحمكَ اللهُ أنّ من الكبائرِ السِّحرَ وهو من السَّبْعِ الـمُوبقاتِ التي ذكرها رسول الله في حديثِه، وهو مزاولةُ أفعالٍ وأقوالٍ خبيثةٍ وهو أنواعٌ منه ما يُـحْوِجُ إلى عمَلٍ كُفريٍّ ومنه ما يُحوجُ إلى كفرٍ قوليٍّ فالأولُ كالسجودِ للشمسِ أو السجودِ لإبليسَ ومنه ما يُـحوجُ إلى تعظيمِ الشيطانِ بغيرِ ذلكَ، فما يُـحوجُ إلى الكفرِ ولا يحصلُ إلا بالكفرِ فهو كفرٌ، وما لا يُـحوجُ إلى الكفرِ فهو كبيرةٌ،
وقولُ بعضِ الناسِ إن الرسولَ قالَ: تعلَّموا السِّحرَ ولا تعملوا به كذبٌ على رسولِ الله. والسِّحرُ سواءٌ كانَ للمحبَّةِ حتى يُحبَّ هذا هذه أو هذه هذا أو للتبغيضِ حتى يكرهَ هذا هذه أو هذه هذا فهو حرامٌ، وكذلك السِّحرُ لإمراضِ الشَّخصِ حتى يُجنَّ حرامٌ أيضًا، والذي ينفي وجودَ السِّحرِ فقد كذب القرءان. قال الله تعالى: {وما كفرَ سليمانُ ولكنَّ الشياطينَ كفروا يُعلِّمونَ الناسَ السِّحرَ وما أُنزلَ على الملَكينِ ببابلَ هاروتَ وماروتَ وما يُعلِّمانِ من أحدٍ حتى يقولا إنما نحنُ فِتنةٌ فلا تكفر فيتعلَّمونَ منهما ما يُفرِّقونَ به بين المرءِ وزوجِه وما هم بضارينَ به من أحدٍ إلا بإذن الله}.
ويُعلَمُ من هذه الآيةِ أنَّ هاروتَ وماروتَ مَلَكانِ أمرَهما اللهُ أن ينـزِلا إلى الأرضِ ويُعلِّمانِ الناسَ السِّحرَ لا ليعملوا به بل ليعرفوا حقيقتَه، كانا يُعلِّمانِ الناسَ مع التحذيرِ يقولانِ للناسِ نحنُ فتنةٌ أي مِحنَةٌ وابتلاءٌ من اللهِ واختبارٌ نُعلِّمُكم ولا تكفروا أي تعتبروا السِّحرَ حلالاً إنما تتعلَّمونَ فقط، كانوا يُعلِّمونهم ما يكونُ من السِّحرِ من نوعِ التّفريقِ بينَ اثنينِ مُتحابَّينِ، ثم الناسُ الذينَ تعلَّموا منهما بعضُهم ما عملَ بهذا السِّحرِ الذي تعلَّمَه وبعضُ الناسِ عملوا به وعصَوا ربَّهُم،
وكانَ من السِّحرِ غيرُ هذا الذي علَّمَهُ هاروتُ وماروتُ للبشرِ، الشياطينُ أي كفّارُ الجنِّ كانت تعملُ السِّحرَ وتُعلِّمُه للناسِ لكنّ الشياطينَ كانت تُعلِّمُ بطريقةِ الكفرِ، بعضُ أنواعِ السِّحرِ الذي كانت الشياطينُ تُعلِّمُه البشرَ كان فيه كفرٌ كعبادةِ الشمسِ ومنه ما فيه عبادةُ إبليسَ بالسجودِ لـه ومنه ما كانَ فيه غيرُ ذلكَ من أنواعِ الكفرِ حتى إن منه ما تَشتَرطُ الشياطينُ على مَن تُعلِّمُه لتُساعِدَه أن يَبولَ الشّخصُ على المصحفِ لأن الكُفرَ إذا حصلَ من ابن ءادمَ فهذا عندهم أعظمُ شىءٍ يَشتهونَ هذا اشتِهاءً،
ثم مما يحتالونَ به لترويجِ عمَلِ السِّحرِ أنهم يخلِطونَ بعضَ الآياتِ القرءانيةِ بالسِّحرِ حتى يُوهموا الناسَ أن القرءانَ له دخلٌ في السِّحرِ، والقرءانُ لا دخلَ له بالسِّحرِ لكن أولئك يخلطونَ بعضَ الآياتِ القرءانية بالسِّحرِ يضعونَ كلامًا خبيثًا في الورقةِ ثم يكتبونَ قُربَـه بعضَ الآياتِ فيظنُّ الجاهلونَ من البشرِ أنَّ القرءانَ لـه دخلٌ في السِّحرِ، الشياطينُ بذلكَ تُضِلُّ الناسَ، لترويجِ السِّحرِ يُدخلونَ بعضَ الآياتِ القرءانيةِ فيه فمن رأى شيئًا مكتوبًا من السِّحرِ وإلى جانبِه ءايتٌ قرءانيةٌ فلْيَعْلَم أن القرءانَ لا دخْلَ له إنما الشياطينُ أدْخَلَت هذا لتُضِلَّ الناسَ بأنْ يظنوا أن القرءانَ فيه سِحرٌ، والقرءانُ ضِدُّ السِّحرِ، بالقرءانِ يُفكُّ السِّحرُ.
سيدنا سليمانُ عليه السلامُ الكفارُ كانوا يقولونَ عنه إنه كانَ مَلِكًا من الملوكِ وإنه كانَ يعملُ بالسِّحرِ وكذَبوا، السِّحرُ ليسَ من عملِ الأنبياءِ والأولياءِ إنما الشياطينُ كانوا مُغتاظينَ من سيدنا سليمانَ عليه السلامُ لأن الله أعطاهُ سِـرًَّا فكانت الشياطينُ تُطيعُه مع كفرِهم من غيرِ أن يؤمنوا كانوا يخدمونَه، يعملونَ لـه أعمالاً شاقة فمن خالفَه منهم الله تعالى يُـنـزلُ به عذابًا في الدنيا لذلكَ كانوا مقهورينَ لـه فلما ماتَ كتبوا السِّحرَ ودفنوهُ تحتَ كُرسِيِّه ثم قالوا للناسِ بعد أن ظهرَ بعضُهم أو عددٌ منهم للناسِ هل تدرونَ بما كان يحكُمُكُم سليمانُ كانَ يحكُمُكُم بالسِّحرِ احفروا تحتَ كُرسيِّه فحفروا فوجدوا هذا الكتابَ فصدَّقوا أن هذا الكتابَ لسليمانَ وضَعَ فيه السِّحرَ فكفروا،
الذينَ صدَّقوا الشياطينَ كفروا، لأن السِّحرَ ليسَ من عملِ الأنبياءِ والأولياءِ.
فالـحَذَرَ الحذرَ من الذينَ يقولونَ لـهم فُلانٌ رُحانيٌ أو معه جِنٌ رَحمانيٌ احذروهم وحذِّروا الناسَ منهم، أغلبُ هؤلاءِ ولا نقولُ كلُّهم ضالّونَ مُفسِدونَ يُوقعونَ الناسَ في الضلالِ والكُفرِ لأن الإنسانَ إذا اعتقدَ السِّحرَ حلالاً وأنه شىءٌ حسنٌ يكفرُ لأن السِّحرَ أمرٌ محرَّمٌ من المُحرَّماتِ الكبائرِ واستحلالُه كُفرٌ.
اعلم رحمَكَ الله أنّ السِّحرَ من الكبائرِ وقد قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم: ليسَ مِنّا مَن تكَهَّنَ أو تُكُهِّنَ لـه أو سَحَرَ أو سُحِرَ لـه. والسِّحرُ هو مزاولَةُ أعمالٍ وأقوالٍ خبيثةٍ ومنه ما يكونُ بالاستعانةِ بالشياطينِ ومنه ما يكونُ بغيرِ ذلك، ولا يجوزُ مُقابلَةُ السِّحرِ بالسِّحرِ كما يفعلُ بعضُ الجُهّالِ.
ومن أعمالِ السَّحرَةِ وأقوالِهم الـخبيثةِ أنهم يستنجدونَ بالشياطينِ ويتكلَّمونَ بكلامٍ قبيحٍ فيه تعظيمٌ للشيطانِ ليُعينَهم على إيذاءِ هذا الشَّخصِ الذي يُـريدونَ إيذاءَهُ، ومن الأفعالِ الـخبيثةِ التي يُـزاولونها أنهم أحيانًا يأخذونَ دمَ الحيضِ لَيسقوهُ الشَّخصَ الذي يُـريدونَ ضررَهُ وأحيانًا يستعينونَ بالأرواحِ الأرضيةِ من الشياطينِ وأحيانًا يستنجدونَ بالكواكبِ، على زعمِهم الكواكِبُ لـها أرواحٌ تُساعدُهم وكذلكَ الشّمسُ، ثم هم أحيانا يَختارونَ وقتًا مُعيّنًا لِعَمَلِ السِّحرِ لأنّ هذه الأوقاتَ الله جعلَ لـها خصائصَ لِعَمَلِ الخيرِ ولِعَملِ الشَّرِ.
ومن أنواعِ السِّحرِ سِحرُ التّسليطِ، يُسلَّطُ على الشَّخصِ جِنيٌّ يُمرِضُه وأحيانًا هذا الجنيُّ يقتُلُه، ومما ينفعُ للتَّحَصُّنِ من السِّحرِ أن يُـداومَ الشَّخصُ كلَّ صباحٍ ومساءٍ على قراءَةِ المعوِّذاتِ، {قل أعوذُ بربِّ الناسِ} و {قلْ أعوذُ بِربِّ الفلقِ} و سورة الإخلاصِ ثلاثًا ثلاثًا.
وأما قولُ بعضِ الناسِ: تعلَّموا السِّحرَ ولا تعملوا به، فليسَ حديثًا بل هو من كلامِ الناس، وأما حضورُ مجالِسِ السَّحَرَةِ أثناءَ عمَلِهمُ السِّحرَ ولو من غيرِ أجرةٍ فهو حرامٌ، وأما هاروتُ وماروتُ فهُما مَلَكانِ من الملائكةِ لا يعصونَ الله ما أمرَهم ويفعلون ما يؤمرونَ، وأما ما يُـروى عنهُما أنهُما شَرِبا الخمرَ ثم قتلا الطِّفلَ الذي كانت تحمِلُه المرأةُ ووقَعا عليها فغيرُ صحيحٍ.
وما يذكُرُه كثيرٌ من المفسرينَ في قصةِ هاورتَ وماروتَ من أنَّ الزُهرَةَ كانت امرأةً فراوداها عن نفسِها فأبت إلا أن يُعلِّماها الاسمَ الأعظَمَ فعلَّماها فرُفِعت كَوكَبًا إلى السَّماءِ فهو كذبٌ ولعلَّهُ من وَضعِ اليهود وأما قولُ بعضِ المفسرينَ من أهل السُّنةِ: إن هاروتَ وماروتَ مستثنيانِ من عصمة الملائكةِ وإنهما شَرِبا الخمرَ ثم وقعا على المرأةِ التي فُتِنا بها فهذا القولُ غلطٌ لا صِحَّةَ لـه.
هاروتُ وماروتُ كانا يُعلِّمانِ الناسَ السِّحرَ ليَحْذَرَهُ الناسُ، مع التحذيرِ كانا يُعلِّمانِ الناسَ ويقولانِ إنما نحنُ فِتنةٌ أي ابتلاءٌ من الله أي يبتليكُمْ بنا ويَختَبِرُكُم، معناهُ مَن عملَ بالسِّحرِ الذي علَّمناهُ يكونُ عاصيًا ومن لم يعملْ فليسَ عليهِ ضررٌ، أما أنهما رأيا امرأةً فرُكِّبت فيهما الشَّهوةُ فأرادا الوقوعَ بها فقالت حتى تُشرِكا فرفضا فقالت اشربا الخمرَ فشرِبا فسَكِرا وقتلا الصبيَّ فهذا كذبٌ هذا خُرافةٌ.