أُمُّ المُؤْمِنِيْنَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ
نسبها
صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ بنِ أَخْطَبَ بنِ سَعْيَةَ بن عامر بن عبيد بن كعب، من بني النضير، وهو من سبط لاوي بن يعقوب ثم من ذرية هارون بن عمران أخي موسى عليهما السلام.
وأُمُّها بَرَّةُ بِنتُ سِمْوَالٍ من بني قريظة.
تَزَوَّجَهَا قَبْلَ إِسْلاَمِهَا: سلامُ بنُ مَشكَم القُرَظيّ، ثُمَّ فارقها فتزوجها: كِنَانَةُ بنُ الرَّبيع بنِ أَبِي الحُقَيْقِ النضيري، فَقُتِلَ كِنَانَةُ يَوْم خَيْبَرَ عَنْهَا، وَسُبِيَتْ، وَصَارَتْ فِي سَهْمِ دِحْيَةَ الكَلْبِيِّ.
زواجها من رسول الله
وعَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفِيَّةَ مِنْ دِحْيَةَ بِسَبْعَةِ أَرْؤُسٍ، (أي: أعطاه بدلها سبعة أنفس تطييبًا لقلبه، لا أنَّه جرى عقد بيع). ثُمَّ دَفَعَهَا إِلى أُمِّ سُلَيْمٍ تُصَنِّعُهَا لَهُ وَتُهَيِّئُهَا، وَتَعْتَدَّ فِي بَيْتِهَا. اهـ
وإطلاق العدة عليها مجاز عن الاستبراء، فلمَّا انقضى الاستبراء، جهَّزتها أمُّ سليم وهيَّأتها أي: زيَّنتها وجمَّلتها على عادة العروس. ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أعتقها تبرُّعًا بلا عوض ولا شرط، ثمَّ تزوَّجها برضاها.
وقد روى مسلم في الصحيح عن أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذي يُعْتِقُ جَارِيَتَهُ ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا: “لَهُ أَجْرَانِ”.
قال بعض العلماء: وجد رسول الله بخدها لطمة، فقال: ما هذه؟ فأخبرته أنه لما تزوجها بعض بني عمها، وزفت إليه وأدخلت إليه، ومضى على ذلك ليالي، رأت في منامها كأن القمر أقبل من يثرب فسقط في حجرها، فقصت المنام على ابن عمها فلطمها، وقال: تتمنين أن يتزوجك ملك يثرب؟ فهذه من لطمته.
وفي بعض الروايات: فذكرت ذلك لأمها، فلطمت وجهها، وقالت: إنك لتمدين عنقك إلى أن تكوني عند ملك العرب، فلم يزل الأثر في وجهها حتى أتى بها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسألها عنه فأخبرته.
من سيدات النساء
كانت صَفِيَّةُ من سيدات النساء عبادةً وورعًا وزهادةً وبرًا وصدقة، وَكَانَتْ ذَاتَ حِلْمٍ، وَوَقَارٍ، شَرِيْفَةً، عَاقِلَةً، ذَاتَ حَسَبٍ، وَجَمَالٍ، وَدِيْنٍ، رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.
قَالَ ثَابِتٌ البُنَانِيُّ: حَدَّثَتْنِي سُمَيَّةُ -أَوْ شُمَيْسَةُ- عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّ بِنِسَائِهِ، فَبَرَكَ بِصَفِيَّةَ جَمَلُهَا؛ فَبَكَتْ، وَجَاءَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَخْبَرُوْهُ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ دُمُوْعَهَا بِيَدِهِ، وَهِيَ تَبْكِي.
وأخرج ابن سعد بسند حسن، عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ: أَنَّ نَبِيَّ اللهِ فِي وَجَعِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيْهِ، قَالَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ: وَاللهِ يَا نَبِيَّ اللهِ، لَوَدِدْتُ أَنَّ الَّذِي بِكَ بِي.
كرمها:
وأخرج ابن سعد بسند صحيح من مرسل سعيد بنِ المُسَيَّبِ، قَالَ: قَدِمَتْ صَفِيَّةُ، وَفِي أُذُنَيْهَا خِرَصَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَوَهَبَتْ لِفَاطِمَةَ مِنْهُ، وَلِنِسَاءٍ مَعَهَا.
(والخُرْص والخِرْص: القُرْط بحَبّة واحدةٍ، وقيل: هي الحلْقة من الذهب والفضة، والجمعُ خِرَصةٌ، والخُرْصة لغة فيها).
رواياتها للحديث:
وَرَدَ لَهَا مِنَ الحَدِيْثِ عَشْرَةُ أَحَادِيْثَ، مِنْهَا وَاحِدٌ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. أي رواه البخاري ومسلم.
حَدَّثَ عَنْهَا: عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ، وَإِسْحَاقُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الحَارِثِ، وَكِنَانَةُ مَوْلاَهَا، وَآخَرُوْنَ.
بعض مروياتها عن النبي:
روى البخاري ومسلم عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ صَفِيَّةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ:
أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَزُورُهُ (ليلا) فِي اعْتِكَافِهِ فِي الْمَسْجِدِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ بَابَ الْمَسْجِدِ عِنْدَ بَابِ أُمِّ سَلَمَةَ، مَرَّ رَجُلانِ مِنْ الأَنْصَارِ فَسَلَّمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّمَا هِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ، فَقَالا: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنْ الإِنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا.
وعند مسلم بلفظ: إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الإِنْسَانِ مَجْرَىَ الدَّم، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَرًّا.
الحديث فيه فوائد منها:
– بيان كمال شفقته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أمَّته، ومراعاته لمصالحهم، وصيانة قلوبهم وجوارحهم، وكان بالمؤمنين رحيمًا، فخاف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يلقي الشَّيطان في قلوبهما فيهلكا، فإنَّ ظنَّ السُّوء بالأنبياء كفر بالإجماع، والكبائر غير جائزة عليهم.
وفيه: أنَّ من ظنَّ شيئًا من نحو هذا بالنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كفر. فقد روى الحاكم أن الشافعي كان في مجلس ابن عيينة، فسأله عن هذا الحديث، فقال الشافعي: إنما قال لهما ذلك لأنه خاف عليهما الكفر إن ظنا به التهمة، فبادر إلى إعلامهما نصيحة لهما قبل أن يقذف الشيطان في نفوسهما شيئا يهلكان به.اهـ
وفيه: الاستعداد للتَّحفُّظ من مكايد الشَّيطان، فإنَّه يجري من الإنسان مجرى الدَّم، فيتأهَّب الإنسان للاحتراز من وساوسه وشرِّه، واللهُ أعلم
قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (عَلَى رِسْلِكُمَا) هو بكسر الرَّاء وفتحها لغتان، والكسر أفصح وأشهر، أي: على هينتكما في المشي، فما هنا شيء تكرهانه.
قوله: (فَقَالاَ: سُبْحَانَ اللهِ) فيه: جواز التَّسبيح تعظيمًا للشَّيء، وتعجُّبًا منه.
قوله: (مبلغ الدم) أي كمبلغ الدم، ووجه التشبيه بين الشيطان والدم شدة الاتصال وعدم المفارقة.
– وأخرج الطبراني في الأوسط بإسناد حسن عن صفية بنت حيي قالت:” ما رأيت أحدًا أحسن خلقًا من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “.
وفاتها
تُوُفِّيَتْ سَنَةَ خَمْسِيْنَ، وقيل: توفيت سنة اثنتين وخمسين، وَقَبْرُهَا بِالبَقِيْعِ.
رضي الله عنها وجمعنا معها في جنات النعيم ءامين.