من ابواب البلاغة باب النسق

من أبواب البلاغة ما يُسمى “حُسن النسق” ، وهو ما عرّفه ابن أبي الأصبع بقوله: “حُسن النسق عبارة عن أن يأتي المتكلم بالكلمات من النثر، والأبيات من الشعرمتتاليات متلاحمات تلاحماً سليماً مستحسناً لا معيباً ولا مستهجناً”. ومن شواهد ذلك قول الله تعالى في حق سفينة نوح عليه السلام:”وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء اقلعي وغيض الماء وقُضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بُعداً للقوم الظالمين” سورة هود ءاية 44

فهذه الجمل في الآية الكريمة جاءت معطوفا بعضها على بعض بواو النسق على الترتيب الذي تقتضيه البلاغة، وبدأ الله بالأهم الذي هو إخراج أهل السفينة منها ولا يحصل ذلك إلا بانحسار الماء عن الأرض، فلذلك بدأ الله بذكر الأرض، ولكن الانحسار لا يحصل مع استمرار نزول الماء من السماء، فأمر الله السماء بالإقلاع، ثم أخبر بغيض الماء بعدما انقطع ماء الأرض والسماء ثم قال:”وقضي الأمر “، أي هلك الكفار ونجا أهل السفينة، فإن هذه الجملة جاءت رابعة لأن حقيقة ما حصل من غرق الكفار لا بدّ أن يكون معلوماً لأهل السفينة، وعلمهم بذلك متوقفٌ على خروجهم منها، وخروجهم متوقفٌ على ما تقدّم، لذلك اقتضت البلاغة مجيء هذه الجملة رابعة. وقوله تعالى :”وقيل بُعدا للقوم الظالمين ” فكي لا يظن ظان أنّ الغرق لشموله جميع الأرض ربّما أهلك من لا يستحق الهلاك، فوصف الله الغارقين بأنّهم ظالمون بعيدون من رحمته يوم القيامة ليكون معلوماً أنّ الذين هلكوا كانوا كافرين مستحقين ما جرى لهم.



أضف تعليق