بسم الله الرحمن الرحيم
ذكر الأزرقيُّ في “تاريخ مكة” أنَّ أول من حلَّى الكعبةَ في الجاهليةِ عبد المطلب جدّ النبيّ صلى اللهُ عليه وسلم بالغزالتين الذهب اللتين وجدَهما في بئر زمزم لمَّا حفرَها، وقال:” أول منْ ذهَّبَ البيتَ في الإسلام عبد الملك بنُ مروان”. وذكر غيرُه ما يقتضي خلاف ذلك فقال المُسبِّحي:” أوَّل من حلَّى البيت عبد الله بن الزبير، جعل على الكعبة وأساطينِها صفائحَ الذهب، وجعل مفاتيحَها من الذهب”.
وذُكِرَ أنَّ الوليد بن عبد الملِك بعث إلى واليه على مكة خالد بن عبد الله بستة وثلاثين ألف دينار يضرب بها على باب الكعبة صفائح الذهب، وعلى ميزاب الكعبة، وعلى الأساطين التي في جوف الكعبة، وعلى أركانها من الداخل”.
وممَّن حلاها الأمين ابن هارون الرشيد والمتوكل العباسي والمعتضد العباسي وأم المقتدر الخليفة العباسي. ومنهم أيضًا الملك المظفر الغسانيُّ صاحب اليمن، وحلاَّها حفيدُه، والملك المجاهد صاحبُ اليمن أيضًا، ثم الملك الناصر محمدُ بن قلاوون الصالحي صاحبُ مصر، الذي حلَّى بابَ الكعبة، كما حلاَّه حفيده الملك الأشرف شعبان في سنة 776هـ.
ويقول عبد الكريم القطبي في كتابه “إعلام العلماء الأعلام ببناء المسجد الحرام”: قال شيخُنا رحمه الله :” وقد أدركْنا الباب الشريف مصفّحًا بالفضّة، وكان يختلس من فضته أوقاتَ الغفلة من قَلَّ دينُه، إلى أنْ انكشَفَ أسفلُ الباب الشريف، وظهر الخشب، فعُرِضَ ذلك على السلطان خان في سنة 961هـ، فبرز الأمر السلطاني بتصفيح الباب الشريف بالفضة. وكان في البيت الشريف خشبة من أخشاب السقف قد انكسرت وصار الماء ينزل من موضع الكَسر في جوف البيت، وكان قاضي مصر يومئذ حامد أفندي، وقاضي مكة المشرفة محمدَ بن محمود فاطلعا على هذا الاختلال وعرضَا الأمر على السلطان سليمان الذي أرسله بدوره إلى المفتي أبي السعود يستفتيه في ذلك، فكتب له بجواز ذلك إنْ دعت الضرورةُ إليه، فأرسلَ بجواب المفتي إلى صاحب مصر إذ ذاك علي باشا ومنه إلى ناظر الحرم المكي أحمد حلبي المقاطعجي مع الحُكم السلطاني الذي مضمونه: العمل بمقتضى الفتوى. واجتمع العلماء للمشاورة، فذكر مصطفى المعمار أنَّه شاهد بالسقف الشريف عودين نزلا عن محاذاة بقية أخشاب السقف من وسطهما، وذكر أنَّ عودًا ثالثًا إلى جانبهما لنحو الباب الشريف، وأنَّه يُحتمل أنْ يكونَ مكسورًا أيضًا، وأكَّد الكثيرون أنَّه إن لم يتدارك تغيير الخشب المذكور بخشب صحيح سقط إلى أسفل وتتزعزع الجدران، وشرع العمال في العمل، ولما كشفوا عن تلك الأعواد وجدوها مكسورة، فأبدلوها بأعواد جيدة في غاية الإحكام والاستقامة، وأعادوا السقف والسطح كما كان بغاية الإتقان.
ثمَّ إنَّ السلطان سليمان خان لما فرغ من تحديد سطح البيت وما يتعلق به، شرع في تسوية فرش المطاف الشريف بعد أنْ انفصلت أحجاره وصار بين كل حجرين حُفَر، فأزال ما بين الأحجار من الحُفَر، وألصق طرف الحجر بطرف الحجر الآخر، واستمر على هذا الأسلوب إلى أنْ فرغَ من ذلك، وأصلح أبواب المسجدِ الشريف وفرشَ أرضَه كلَّها بالحصى، ثم صُفّح الباب الشريف بالفضة، وسُمّرت الصفائح بمسامير الفضة وأُصلح الميزاب وصَفَّحه بالفضَّة المموهَّة بالذهب إلى أنْ غُيّر بعد ذلك.