قراءة القرءان على قبر المسلم

 

تُسْتَحَبُّ قراءةُ القرءانِ على قبرِ المسلم ، وهذا الأمرُ نافعٌ للقارِئ ولمنْ قُرِئَ على قبرِه من المسلمين . فقد ثَبَتَ أنَّ النبيَّ ، صلَّى الله عليه وسلَّم ، أَرْشَدَ أصحابَه إلى هذا الأمرِ النَّافع .
قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم :” إذا ماتَ أَحَدُكُمْ فلا تحبِسوه وأسرعوا به إلى قبرِه ولْيُقْرَأْ عندَ رأسهِ بفاتحةِ البقرةِ وعندَ رجليهِ بخاتمةِ سورةِ البقرة ” .

رَوَاهُ الحافظُ البَيْهَقِيُّ في (الشُّعَبِ) عنِ ابنِ عُمَرَ عن رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ..
ورَوَاهُ الطَّبَرانيُّ أيضًا عنِ ابنِ عُمَرَ عن رسول الله ، صلَّى الله عليه وسلَّم ، بلفظ :” إذا ماتَ أَحَدُكُمْ فلا تحبِسوه وأسرعوا بهِ إلى قبرِه ولْيُقْرَأْ عندَ رأسهِ بفاتحةِ الكتاب وعندَ رجليهِ بخاتمةِ سورةِ البقرة “.

ومِمَّا يشهدُ لانتفاعِ المَيِّتِ بقراءةِ غيرِه حديثُ مَعْقِلِ بنِ يسارٍ عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم :” إقرءوا يس على موتاكم ” ..
رَوَى هذا الحديثَ أبو داودَ في (سُنَنهِ) والنَّسَائِيُّ في (عملِ اليوم واللَّيلة) وابنُ ماجهْ في (سُنَنهِ) وابنُ حِبَّانَ في (صحيحه).

وَمَعَ أنَّ هذا الحديثَ ضَعَّفَهُ بعضُهم لكنَّ ابنَ حِبَّانَ صَحَّحَهُ ، وحَسَّنَهُ الحافظُ السُّيُوطِيُّ أيضًا.

وهناكَ حديثٌ ءاخَرُ رواه الإمامُ أحمدُ بنُ حنبلٍ في (مسندِه) عن مَعْقِلِ بنِ يَسَارٍ عنه ، صلَّى الله عليه وسلَّم ، وهو :” يس قلبُ القرءانِ لا يقرؤُها رَجُلٌ يريدُ اللـهَ تباركَ وتعالى والدَّارَ الآخرةَ إلَّا غُفِرَ له . واقرؤُوها على موتاكم “.

وكانَ الإمامُ أحمدُ بنُ حنبلٍ قد أنكر في بَدْءِ أَمْرِهِ على مَنْ يقرأُ على القبرِ ثمَّ أَبْلَغَهُ أصحابُه أَثَرًا عن بعضِ الصَّحَابَةِ وهو عبدُ الله بنُ عُمَرَ فرَجَعَ عن رأيهِ وقال :” إذا دخلتمُ المقابرَ فاقرءوا بفاتحةِ الكتاب والمعوِّذَتَينِ وقُلْ هو الله أحد ، واجعلوا ثوابَ ذلك لأهلِ المقابرِ فإنه يصلُ إليهم ” ، رَوَى ذلكَ عنه أحمدُ بنُ مُحَمَّدٍ الْمَرُّوذِيُّ الحنبليُّ.

وقد ذَكَرَ مَشْرُوعِيَّةَ قراءةِ القرءانِ على أمواتِ المسلمينَ المِرْدَاوِيُّ الحنبليُّ في كتابه (الإنصاف) وكثيرونَ غيرُه . ومِمَّا يَدُلُّ أَيضًا على أنَّ ثوابَ قراءةِ القرءانِ يَصِلُ إلى أمواتِ المسلمينَ قولُ الإمامِ أبي جعفرٍ الطَّحَاوِيِّ في كتابهِ (العقيدة الطَّحَاوِيَّة) التي ذَكَرَ في مَطْلَعِهَا أنها عقيدةُ أهلِ السُّـنَّةِ والجماعةِ قاطبةً : ” وفي دعاء الأحياء وصدقاتهِم منفعةٌ للأموات “.

القراءةُ لأمواتِ المسلمينَ من بعيدٍ تَنْفَعُهُمْ إذا دَعَا القارئُ بعدَ القراءةِ بقوله :” اللَّهُمَّ أَوْصِلْ ثَوابَ ما قرأتُ إلى فُلانٍ المَيِّت ” ، أَوْ :” اللَّهُمَّ أَوْصِلْ مِثْلَ ثَوابِ ما قَرَأْتُ إلى فُلانٍ المَيِّت ” . يُفْهَمُ ذلكَ من حديثِ البخاريِّ حيثُ قال فيه الرَّسُولُ لزوجتهِ عائشةَ :” ذاكِ لو كانَ وأنا حَيٌّ فأستغفرَ لكِ وأَدْعُوَ لكِ ” .

فقولُه عليه الصَّلاةُ والسَّلام :” وأَدْعَوَ لكِ ” يُفْهَمُ منه الدُّعاءُ بأنواعهِ . فَدَخَلَ في ذلكَ دعاءُ الرَّجُلِ بعدَ قراءةِ شيء من القرءانِ لإيصالِ الثوابِ لِلْمَيْتِ بنحوِ :” اللَّهُمَّ أَوْصِلْ ثَوَابَ ما قرأتُ إلى فُلان ” .

وأمَّا القولُ الذي شُهِرَ عن الشَّافِعِيِّ :” إنَّ القراءةَ لا تصلُ إلى المَيْتِ ” ، فهو محمولٌ على غيرِ ما إذا كانتِ القراءةُ مع الدُّعاء بالإيصال وبغيرِ ما إذا كانتِ القراءةُ على القبر ، فإنَّ الشافعيَّ أقرَّ ذلك ، أَيْ أَقَرَّ بوصول القراءةِ إلى المَيْتِ إذا دَعَا القارئُ بذلكَ أو كانتِ القراءةُ على القبرِ ولو بغيرِ دعاء . فإذا لم تَكُنِ القراءةُ على القبرِ فإنَّ أَثَرَ القراءةِ لا يَصِلُ إلى الميتِ إلَّا إذا قال القارِئُ :” اللَّهُمَّ أوْصِلْ ثوابَ ما قرأتُ إلى فُلان ” ، أو :” اللَّهُمَّ أوْصِلْ مثلَ ثوابِ ما قرأتُ إلى فُلان ” ونحوَ ذلكَ من العبارات.

فالحاصلُ أنَّ مَنْ قرأ شيئًا من القرءانِ ثمَّ قال :” اللَّهُمَّ أَوْصِلْ ثوابَ ما قرأتُ إلى فُلان ” أو قال :” اللَّهُمَّ أَوْصِلْ مثلَ ثوابِ ما قرأتُ إلى فُلان ” فإنْ كان ذاكَ الميتُ من أهلِ التَّقْوَى كانَ ذلكَ زيادةً في رفعِ درجاتهِ ، وأَمَّا إنْ كانَ من العُصَاةِ فرُبَّمَا يُخَلِّصُهُ الله من نَكَدٍ هو فيهِ في القبرِ بسبب هذه القراءة . إذا قرأ المسلمُ القرءانَ في بيتهِ ونَوَى بقلبهِ أنْ يَصِلَ ثوابُ القراءةِ إلى مَيْتٍ مسلمٍ من غيرِ أنْ يَدْعُوَ بذلكَ فإنَّ ثوابَ القراءةِ لا يَصِلُ إلى هذا الميتِ إلَّا إذا دعا القارئُ رَبَّهُ بقوله اللَّهُمَّ أَوْصِلْ ثوابَ ما قرأتُ إلى فلان أو نحوَ ذلك فإنه يَصِلُ .
أمَّا لو قرأ المسلمُ القرءانَ على مَيْتٍ مسلمٍ في غرفةٍ قبلَ أنْ يُنْقَلَ إلى القبرِ فإنَّ هذه القراءةَ تَنْفَعُهُ ، وذلك لأنَّ القرءانَ إذا قُرِئَ فإنَّ الرَّحْمَةَ تَنْزِلُ فيستفيدُ هذا الميتُ ، وكذلكَ إذا قُرِئَ على قبرِ مَيْتٍ مسلم .. إذا ذُكِرَ اللـهُ عندَ قبرِ مسلمٍ أو صُلِّيَ على النبيِّ فإنَّ البركاتِ تَنْزِلُ على هذا الميتِ المسلمِ في قبرِه ولو لم يَقُلِ الذَّاكِرُ الواقفُ عندَ القبرِ اللَّهُمَّ أَوْصِلْ ثوابَ ما قرأتُ إلى هذا الميت ..

فوائدُ مهمَّة :

1) المسلمُ إذا ماتَ وهو من أهلِ الكبائرِ وكانَ مُسْتَوْجِبًا للعذاب فدعا له مسلمٌ بقولهِ :” اللَّهُمَّ ارحمه ” ، أو :” اللَّهُمَّ اغفرْ له ” ، فإنَّ الله قد يُعْفِيهِ من العذاب . فالموتى ينتظرونَ ما يأتيهم من أقاربهِم وأَحبابهِم الأحياء من قراءةِ القرءان والاستغفارِ ونحوِ ذلك . حتَّى إنَّ الوليَّ الميتَ إذا دعا له مسلمٌ حَيٌّ بقولهِ :” رضيَ الله عنه ” فإنَّ اللـهَ قد يرفعُ هذا الوليَّ درجاتٍ كثيرةً بسبب دعاء هذا المسلم .

2) ذَكَرَ الإمامُ المُحَدِّثُ الفقيهُ الحافظُ اللُّغَوِيُّ محمَّد مُرتضَى الزَّبيدِيُّ في كتابه[(شرح إحياء علوم الدِّين)/ج10/ص369]نَقْلًا عن السُّـيُوطِيِّ أنه قالَ في كتابهِ (شرح الصُّدُور) ما نصُّه : ” وأَمَّا قراءةُ القرءانِ على القبورِ فَقَدْ جَزَمَ بمشروعيَّتها أَصحابُنا وغيرُهم . وقال النوويُّ في (شرح المهذَّب) :” يُسْتَحَبُّ لزائرِ القبورِ أَنْ يقرأَ ما تيَسَّرَ من القرءانِ وأنْ يدعوَ لهم عَقِبَهَا . نَصَّ على ذلكَ الشَّافِعِيُّ واتفقَ عليه الأصحاب . وإنْ خَتَمُوا القرءانَ على القبرِ كانَ أفضل ” . ونَقَلَ الزَّعْفَرانيُّ عن الشَّافِعِيِّ أنه صَرَّحَ بجوازِ القراءةِ على القبور “ا.هـ.

3) وَرَدَ في (صَحِيحَيْ البخاريِّ ومسلم) عن رسول الله ، صلَّى الله عليه وسلَّم ، أنه مَرَّ بقبرينِ فقال :” إنهما لَيُعَذَّبانِ وما يُعَذَّبانِ في كبير . أَمَّا أحدُهما فكانَ لا يستترُ من البول وأمَّا الآخَرُ فكانَ يمشي بالنميمة ” . ثمَّ دَعا بعَسيبٍ رَطْبٍ فَشَقَّهُ نِصْفَيْنِ فَغَرَسَ على قبرٍ واحدًا وعلى الآخَرِ واحدًا ، ثمَّ قال :” لعلَّه يُخَفَّفُ عنهما ما لم ييبَسا ” ..
قال القُرطُبيُّ :” وقد استدلَّ بعضُ علمائِنا على جوازِ قراءةِ القرءانِ على القبرِ بحديثِ العَسيبِ الرَّطْبِ الذي شَقَّهُ رسولُ الله نِصْفَيْنِ ثمَّ غَرَسَ على قبرٍ نصفًا وعلى الآخَر نصفًا ”
وقال النَّوَوِيُّ :” إذا وَصَلَ النفعُ إلى المَيْتِ بتسبيحِ الجَرِيدَتَيْنِ حالَ رُطُوبتهِما قبلَ أنْ ييبَسا فانتفاعُ المَيْتِ بقراءةِ القرءانِ عندَ قبرِه أَوْلى . فإنَّ قراءةَ القرءانِ من إنسانٍ أَعظمُ وأنفعُ من التسبيحِ من عُود “.

4) أَوْصَى العَلاءُ بنُ اللَّجْلاجِ ابنَه عبدَ الرَّحمٰنِ فقالَ له :” يا بُنَيَّ إذا وَضَعْتَني في لحدِي فقلْ بسم الله وفي سبيلِ الله وعلى مِلَّةِ رسولِ الله ، ثمَّ سُنَّ عليَّ الترابَ سَـنًّا ، ثمَّ اقرأْ عندَ رأسي بفاتحةِ البقرةِ وخاتمتِها فإني سمعتُ أبي يقولُ سمعتُ رسولَ الله يقولُ ذلك ” رواه الطَّبَرَانيُّ في (معجمه).

أضف تعليق