بسم الله الرحمن الرحيم
كُسيت الكعبةُ في الجاهلية أنواعًا من الكِسِيّ، منها :
المعرفر وهو اسم بلد سميت به الثياب المعافرية التي تصنع فيه والمَلاء ومفردها ملاءة وهي ثوبٌ ليّن رقيق والوصائِل ومفردها وَصيلة وهي ثوبٌ أحمر، مخطط يمانيّ.
وقد روى ابن هشام نقلاً عن ابن إسحق أن تُبّعًا أولُ من كسا البيت وأوصى به ولاتَه من جُرهم وأمرهم بتطهيرِه ، وجعل له بابًا ومِفتاحًا.
وذكر ابن جريج أنَّ تُبَّعًا أول من كسا الكعبة كِسوةً كاملة ، وذكر السهيلي أنَّه كساها المُسوحَ والأنطاع . والمسوح جمع مِسحٍ وهو ثوب من الشعر ، أمَّا الأنطاع فهو جمع نِطْعٍ وهو بساط من الجلد، ومن قوله حين كسا البيت :
وكسونا البيتَ الذي حرَّم الله = ملاء مُعْضَدًا وبرودا
فأقمنا بهِ من الشهرِ عشرًا = وجعلنا لبابِه إقليدا
ثم سِرنا عنه نؤمُّ سهيلاً = فرفعنا لواءَنا معقودا
وقال الأزرقيّ: كسا النبيّ صلى اللهُ عليه وسلم الكعبةَ الثيابَ اليمانية ، ثم كساها عمر وعثمان رضي الله عنهما القَمَاطِيّ ، وكانت تكسى الديباجَ بعد ذلك . وقال أيضًا كانت الكعبة تكسى كلَّ سنة مرتين ، فتكسى أولاً الديباج قيمصًا يُدلى عليها يوم التروية ولا يُخاط ، وتُترك الأُزُر حتى يذهبَ الحاج لئلاَّ يمزقوه فإذا كان يوم عاشوراء علّقوا عليها الإزار وأوصلوها بالقميصِ الديباج فلا يزالُ عليها إلى يوم السابع والعشرين من رمضان فتُكسى الكِسوة الثانية وهي من القَمَاطي .
فلما كانت خلافة المأمون أمر أن تُكسى الكعبةَ ثلاث مراتٍ كل سنة ، فتكسى الديباجَ الأحمرَ يوم التروية ، وتكسى القماطي أول رجب ، وتكسى الديباجَ الأبيضَ في عيد رمضان ، ثم أمر أنْ تكسى إزارًا ءاخرَ على عيدِ رمضان . ثم بلغَ المتوكلَ على الله أنَّ الإزار يبلى قبل شهرِ رجب من كثرةِ مسّ أيادي الناس فزادها إزارًا ، وأمر بإسبال قميصِ الديباجِ الأحمرِ إلى الأرض ثم جعل فوقَه في شهرين إزارًا ، وذلك في سنة 240 للهجرة.
ثم بعد خلفاء بني العباس وأيام وَهْنِهِم وضعفهم كانت كِسوةُ الكعبةِ تارةً من قِبَل سلاطين مصر، وتارةً من قِبل سلاطين اليمن واستقرَّت الكسوة الشريفة بعد ذلك من سلاطينِ مصر إلى أنْ اشترى السلطانُ الملك الصالحُ قلاوون قريتيْنِ بمصر وأوقفهما على عملِ الكسوة واسمها “يَبْسُوس” و “سَنْدَبيس”؛ ثمَّ استمرتْ سلاطين مصر من بعدِه ترسل كسوةَ الكعبة في كلّ عام، وكانوا يرسلون عند تجدُّدِ كلّ سلطان مع كسوةِ الكعبةِ التي تُكسى من ظاهر البيت الشريف كسوةً حمراءَ لداخل البيت الشريف، وكسوةً خضراء للحجرة النبوية الشريفة على ساكنها أفضلُ الصلاة وأتمُّ التسليم. فلما ءالت الخلافة إلى سلاطين بني عثمان جهَّز السلطانُ سليم خان كسوةَ الكعبة داخلاً وخارجًا، وكسوةَ المدينة على ما جرتْ به العادة، وأمر باستمرار الكسوة السوداءِ للكعبة الشريفة. ثمَّ إنَّ القريتيْنِ “يبسوس” و “سندبيس” خرِبَتَا وضعف ريعُهُما عن الوفاء بمصروف الكسوة، فأمر السلطان سليمان خان أن يكْمِلَ من الخزائن السلطانية بمصر، ثمَّ أضافَ إلى القريتينِ قرًى أخرى أوقَفَها على كسوةِ الكعبةِ فصار عامِرًا فائضًا مستمرًا.