الفتوى بغير علم

لقد قيَّضَ اللهُ تعالى لخدمةِ دِينِهِ علماءَ أمناء متقين ورعين وأمر بالرجوعِ إليهِم في أمرِ دينهم فقال سبحانه وتعالى: [فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ]، فمن أراد الاستفتاء فلا يسأل إلا أهل العلم الثقات الذين أخذوا العلم عمن قبلهم بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يسأل الصحفيين الذين يعكفون على قراءة الكتب والمجلات ومتابعة فتاوى الانترنت ومشايخ الفضائيات، نعم وكم من أناس في عصرنا هذا يريدون فتوى على حسب ءارائهم فيدورون من شيخ إلى ءاخر حتى يسمعوا الفتوى التي تميل إليها أهواؤهم ولو كانت باطلة.

نقول لهم: قال الله تعالى: [وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ] {النحل:116}

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الْقُضَاةُ ثَلاَثَةٌ: وَاحِدٌ في الْجَنّةِ وَاثْنَانِ في النّارِ، فَأمّا الّذِي في الْجَنّةِ فَرَجُل عَرَفَ الْحَقّ فَقَضَى بِهِ، وَرَجُل عَرَفَ الْحَقّ فَجَارَ في الْحُكْمِ فَهُوَ في النّارِ وَرَجُل قَضَى لِلنّاسِ عَلَى جَهَلٍ فَهُوَ في النّارِ”.

وفي صحيح الإمام مسلم: باب بيان أن الإسناد من الدين. وأن الرواية لا تكون إلا عن الثقات، ثم روى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أنه قَالَ: إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ، فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ. وعن عبد الله بن المبارك أنه قال: الإسناد من الدين. ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء.

وفي هذا يقول النووي رحمه الله: لا يجوز استفتاء غير الثقة، أي لا يجوز لك أن تستفتي في أمر دينك إلا ثقة ضابطًا متقنًا، يوثَق بدينه ومعرفته ويُعتمَد عليه،

فيا أخي المسلم يا من تهتم بدينك لا تغتر بالشكل ولا بالزي ولا بالشهرة ولا بالمنصب، عن يَحْيَى بنُ عُبَيْدِ الله، قال: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ سَمِعْتُ أَبا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: “يَحْرُجُ في آخِرِ الزّمَانِ رِجَالٌ يَخْتِلُونَ الدُّنْيَا بالدّينِ، يَلْبَسُونَ لِلنّاسِ جُلُودَ الضّأْنِ مِنَ الّلينِ، أَلْسِنَتُهُمْ أَحْلَى مِنَ السّكّرِ وَقُلِوبُهُمْ قُلُوبُ الذّئَابِ. يَقُولُ الله أَبي تَغْتَرّونَ أَمْ عَلَيّ تَجْتَرِئُونَ؟ فَبِي حَلَفْتُ لأَبْعَثَنّ عَلَى أُولَئِكَ مِنْهُمْ فِتْنَةً تَدَعُ الْحَلِيمَ مِنْهُمْ حَيْرَاناً”.

يا أخي المسلم لا تقل: أعجبني شكله، أو هذا مشهور يحاضر على الفضائيات، أو هذا ما أهواه وأميل إليه، فقد ورد في الأثر: “حُبُّكَ لِلشَّىْءِ يُعْمِي وَيُصِمُّ”.

وأما حديث: “استفت قلبك” فهو للعلماء المجتهدين وليس لعوام الناس، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قاله للصحابي الجليل وَابِصَة بن معبد رضي الله عنه أحدِ علماء الصحابة وهو ممن له أهلية استنباط الأحكام، ولا يخفى أن العاميَّ قد يميلُ قلبه إلى ما يخالف الشرع، فكيف يتركُ العامي فتوى المجتهدين المعتبرين ويعمل بما تميل إليه نفسه، فقد روى الإمام أحمد وغيره عن وَابِصَةَ بن معبد رضي اللّه عنه؛ أنه أتى رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقال: “جِئْتَ تَسألُ عَنِ البِرّ وَالإِثْمِ؟ قال: نعم، فقال: اسْتَفْتِ قَلْبَكَ، البِرُّ ما اطْمأنَّت إِلَيْهِ النَّفْس وَاطمأنَّ إِلَيْهِ القَلْبُ، وَالإِثْمُ ما حاكَ في النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ في الصَّدْرِ، وَإنْ أفْتاكَ النَّاسُ وَأفْتَوْكَ”.

أضف تعليق