تنزيهُ الله عن المكان والجهة

 

أخلصـوا النِيّـة لـلّٰـهِ الواحـد القهـار

 

اعْلَمْ أَنَّ عَقِيدَةَ كُلِّ الأَنْبِيَاءِ وَأتْبَاعِهِمُ الْمُسْلِمينَ أَنَّ اللهَ تعالى هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَىْءٍ مِنَ الأَعْمَالِ والأجْسامِ وَأَنَّ اللهَ تعالى كَانَ مَوْجُودًا في الأَزَلِ -أي في ما لا ابْتِدَاءَ لَهُ- وَهُوَ خَلَقَ أَيْ أَبْرَزَ مِنَ الْعَدَمِ إلى الوُجُودِ كُلَّ الْمَخْلُوقَاتِ وَصِفَاتِهَا كَالْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ وَالْمَرَارَةِ والْحَلاوَةِ والْيُبُوسَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ سُبْحَانَهُ وتعالى لا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَخَلْقِهِ ولا يَجُوزُ أَنْ يَتَّصِفَ بِصِفَاتِ الْخَلْقِ قالَ اللهُ تعالى “لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ”،

وَمِنْ جُمْلَةِ صِفَاتِ الْخَلْقِ أَنَّ الْحَجْمَ يَكُونُ في مَكَانٍ وَجِهَةٍ وَمَعْلُومٌ أَنَّ اللهَ لَيْسَ حَجْمًا لأَنَّهُ خَالِقُهُ فَلا يَجْوزُ على اللهِ أَنْ يَكُونَ في مَكَانٍ أَوْ جِهَةٍ.
ت: يعني توفي<مات>

وَقَدْ عَرَّفَ عُلَمَاءُ الإسْلامِ الْمَكَانَ بِحَيْثُ يُعْرَفُ مِنْ هَذا التَّعْرِيفِ أَنَّهُ لا يَجُوزُ على اللهِ أنْ يَكُونَ في مَكانٍ، قَالَ اللُّغَوِيُّ الرَّاغِبُ الأصْفَهَانِيُّ ت502 هـ مَا نَصُّهُ “الْمَكَانُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ الْمَوْضِعُ الْحَاوِي للشَّىْءِ” اهـ.

قَالَ الْعَلامَةُ كَمَالُ الدِّينِ الْبَيَاضِيُّ الْحَنَفِيُّ ت 1098 هـ “الْمَكَانُ هُوَ الْفَرَاغُ الَّذِي يَشْغَلُهُ الْجِسْمُ” اهـ.

قَالَ الْحَافِظُ الْمُحَدِّثُ الْفَقِيهُ اللُّغَويُّ مُحَمَّدُ مُرْتَضى الزَّبيديُّ ت 1205 هـ “الْمَكَانُ الْمَوْضِعُ الْحَاوِي للشَّىْء”

قَالَ الشَّيْخُ سَلامَةُ الْقَضَاعِيُّ العزَامِيُّ الشَّافِعِيُّ ت 1376 هـ “الْمَكَانُ هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَكُونُ فيهِ الجوْهَرُ على قَدْرِهِ وَالْجِهَةُ هِيَ ذَلِكَ الْمَكَانُ”.

قَالَ اللُّغَوِيُّ مَجْدُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوبَ الْفَيْرُوزءابادي ت 817 هـ “وَالْجِهَةُ النَّاحِيَةُ”

وَقَالَ الْبَياضِيُّ “وَالْجِهَةُ اسْمٌ لِمُنْتَهَى الإشَارَةِ وَمَقْصِدِ الْمُتَحَرِّكِ فَلا يَكُونَانِ إِلا لِلْجِسْمِ وَالْجِسْمَانِيِّ وَكُلُّ ذَلِكَ مُسْتَحيلٌ عَلى اللهِ” اهـ.

قَالَ الشَّيخُ مُصْطَفى بنُ مُحَمَّدٍ الْحَنَفِيُّ الْمَعْرُوفُ بِالْكَسْتَلِّيِّ ت 901 هـ ما نَصُّهُ “قَدْ تُطْلَقُ الْجِهَةُ وَيُرَادُ بِهَا مُنْتَهى الإشَاراتِ الْحِسِّيَّةِ أَوِ الْحَرَكَات الْمُسْتَقِيمَة فَتَكُونُ عِبَارَةً عَنْ نِهَايَةِ الْبُعْدِ الَّذي هُوَ الْمَكَانُ، وَمَعْنى كَوْنِ الْجِسْمِ في جِهَةٍ أَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ في مَكَانٍ يَلي تِلْكَ الْجِهَةَ، وَقَدْ يُسَمَّى الْمَكَانُ الَّذي يَلي جِهَةً مَا بِاسْمِهَا كَمَا يُقَالُ فَوْقَ الأَرْضِ وَتَحْتَهَا فَتَكُونُ الْجِهَةُ عِبَارَةً عَنْ نَفْسِ الْمَكَانِ باعْتِبَارِ إضَافَةٍ مَا” اهـ.

قَالَ الإمامُ أَحْمَدُ بنُ سَلامَةَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ ت 321 هـ في عَقيدَتهِ الَّتي هِيَ عَقيدَةُ كُلِّ الْمُسْلِمينَ وَالَّتي ذَكَرَ في بِدَايَتِهَا قَوْلَهُ “هَذَا ذِكْرُ بَيانِ عَقيدَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ والْجَمَاعَةِ” ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ عَنِ اللهِ تعالى “تَعالى عَنِ الْحُدُودِ وَالْغَاياتِ والأَرْكَانِ والأعْضَاءِ والأَدَواتِ لا تَحْويِهِ الْجِهَاتُ السِّتُّ كَسَائِرِ الْمُبْتَدَعَاتِ”. فَمَعْنَى قَوْلِهِ “تعالى” أي تَنَزَّهَ اللهُ، وَقَوْلِهِ “عَنِ الْحُدُودِ” مَعْنَاهُ أَنَّ اللهَ لا حَجْمَ لهُ لأَنَّهُ خَالِقُ الأَحْجَامِ وَالْمَحْدُودُ عِنْدَ عُلَمَاءِ اللُّغَةِ والشَّرْعِ مَا لَهُ حَجْمٌ كَبُرَ أَوْ صَغُرَ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ “وَالغَاياتِ” جَمْعُ غَايَةٍ وَهِيَ النِّهَايَةُ وَهِيَ مِنْ صِفَاتِ الأَجْسَامِ، وَقَوْلِهِ “وَالأَرْكَانِ” جَمْعُ رُكْنٍ وَمَعْنَاهُ الْجَانِبُ وَهُوَ مِنْ صِفَاتِ الأَجْسَامِ، وَقَوْلِهِ “والأَعْضَاءِ” جَمْعُ عُضْوٍ وَهُوَ الْجُزْءُ الْكَبيرُ كَالْيَدِ الْجَارِحَةِ والْوَجْهِ الْجَارِحَةِ، وقَوْلِهِ “وَالأَدَوَاتِ” جَمْعُ أَدَاةٍ وَهُوَ الْجُزْءُ الصَّغيرُ كَاللِّسَانِ واللَّهَاةِ وَالأَضْرَاسِ، وقَوْلِهِ “لا تَحْويهِ الْجِهَاتُ السِّتُّ” مَعْنَاهُ أَنَّ اللهَ مَوْجُودٌ بِلا مَكَانٍ وَلا جِهَةٍ لأَنَّ الْجِهَاتِ السِّتَّ هِيَ فَوْقٌ وَتَحْتٌ وَيَمِينٌ وَشِمَالٌ وَأَمَامٌ وَخَلْفٌ، وَقَولِهِ “كَسَائِرِ الْمُبْتَدَعاتِ” مَعْنَاهُ أَنَّ الْجِهَةَ وَالْمَكَانَ مِنْ صِفَاتِ الْمُبْتَدَعَاتِ أَيِ الْمَخْلُوقَاتِ وَاللهُ تعالى مُنَزَّهٌ عَنْ كُلِّ صِفَاتِ الْمَخْلُوقَاتِ. قَالَ اللهُ تعالى: “وَللهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى” أَيْ للهِ الْوَصْفُ الَّذي لا يُشْبِهُ وَصْفَ غَيْرِهِ.

أضف تعليق