تجهيز الميت وسلوكيات العزاء – ج 2

تجهيز الميت وسلوكيات العزاء – ج 2
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره ونعوذ بالله من شرور أنفسنـا ومن سيئـات أعمالنا، من يهد الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ سيّدنا محمّدًا عبد الله ورسوله ، صلى الله وسلم عليه وعلى كل رسول أرسله.

أما بعد عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله العلي القدير القائل في محكم كتابه: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ﴾ سورة الزمر/30. أي إنك يا محمد يا أشرف الخلق ويا حبيب الحق ستموت وإنهم سيموتون.

وروى الطبراني أن جبريل جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال له: “يا محمد عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه“.

إن الله تبارك وتعالى لم يخلقنا في هذه الدنيا لنعمّر فيها إلى الأبد، لم يخلقنا لنأكل ونشرب وننغمس في شهواتها وملذاتها، وإنما خلقنا ليأمرنا بعبادته كما قال تعالى في القرءان الكريم: ﴿وَمَاخَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾. سورة الذاريات/56.

فالإنسان الذي دان نفسه وعمل لِما بعد الموت هو الذكيّ الفطن. 

وأمّا العاجز فهو الذي أتبع نفسه هواها وهو الذي انتهك حرمات الله تعالى وتعدى حدوده واقترف الآثام ثم تمنى على الله ما تمنى. فإذا مات العبد يتبعه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله ويبقى عمله. 
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحة فخيرٌ تقدمونها إليه وإن تك سوى ذلك فشرّ تضعونه عن رقابكم“.

وقد حدّثناكم إخوة الإيمان في الخطبة الماضية أن التقي إذا حُمل إلى الدفن روحه تكون فوق الجسد، ومن شدة فرحه واشتياقه للقبر الذي هو ذاهب إليه يقول : قدّموني قدّموني.

وهنا ألفت انتباهكم أيها الإخوة أنه يستحب ذكر الله أثناء تشييع الجنازة ولا يلتفت إلى كلام الجهلة المحرّمين لقول : “وحّدوا الله” أثناء تشييع الجنازة. ويكفي في الردّ عليهم قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً﴾ الأحزاب/41.

ويستحب تلقين الميّت عقب دفنه فيجلس عند رأسه إنسان ويقول: “يا فلان ابن فلانة. فإنه يسمعه ولا يجيب. ثم يقول: يا فلان ابن فلانة. فإنه يستوي قاعدًا. ثم يقول: يا فلان ابن فلانة. فإنه يقول: أرشدنا يرحمك الله.

ثم يقول له: اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أنْ لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا عبده ورسوله وأنك رضيت بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد نبيًا وبالقرءان إمامًا فإن منكرًا ونكيرًا يأخذ كل واحد منهما بيد صاحبه فيقول: انطلق بنا ما يقعدنا عند من لقِّن حجّته“. وهذا إخوة الإيمان ورد في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولقراءة سورة يس شأن عظيم. فلقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يس قلب القرءان لا يقرأها رجل يريد الله والدار الآخرة إلا غُفر له واقرأوها على موتاكم“.

ومما استدلّ به العلماء على جواز قراءة القرءان على قبر الميت المسلم وانتفاعه بالقراءة حديث البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “مرّ النبي صلى الله عليه وسلم بحائط (أي بستان) من حيطان المدينة أو مكة فسمع صوت إنسانين يُعذّبان في قبريهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “يعذّبان وما يعذّبان في كبير” ثم قال: “بلى، كان أحدهما لا يستتر من بوله، وكان الآخر يمشي بالنميمةثم دعا بجريدة فكسرها كِسرتين، فوضع على كل قبر منهما كسرة فقيل له: يا رسول الله لِمَ فعلت هذا؟ فقال: لعلّه أن يخفّف عنهما ما لم يَيْبَسا” لأن هذا العسيب الرطب يذكر الله تعالى، يُسبّح الله تعالى ما دام رطبًا.

فإن كان المسلم الميت ينتفع بتسبيح العسيب الرطب فكيف بقرءاة القرءان عند قبره من المسلم الحيّ؟

ثم عند الاجتماع إخوة الإيمان لتقبل العزاء بهذا الفقيد المسلم عليكم بالإكثار من ذكر الله ومن الاستغفار له ومن قرءاة القرءان قراءةً صحيحة وإهدائه الثواب فإن من سبقنا من أهلنا من المسلمين ينتظر منا الهدايا. ثم لا مانع بل مهم جدًا من حين إلى ءاخر عند تقبّل العزاء من سماع كلمة طيبة موعظة مهمّة تذكِّرنا بأن الموت حقّ وتحثّنا على الصبر عند نزول المصائب والبلايا وتذكِّرنا بما أوجب الله علينا وتنهانا عمّا حرّم، فإنّ الذكرى تنفع المؤمنين.

اللهمّ انفعنا بعلم الدين واجعلنا من الذين يسمعون القوم فيتّبعون أحسنه.

أضف تعليق