.
أخلصـوا النِيّـة لـلّٰـهِ الواحـد القهـار
تنزيهُ الله عن المكان والجهة
الْحَمْدُ للهِ جُمْهُورُ الأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ مِئاتُ الْمَلايينِ عُلَمَاؤُهُمْ في الشَّرْقِ وَالغَرْبِ يَعْتَقِدُونَ وَيُدَرِّسُونَ أَنَّ اللهَ تباركَ وتعالى مَوْجُودٌ مُنَزَّهُ عَنِ الْحَجْمِ وَالْمَكَانِ وَالْجِهَةِ.
قَالَ الإمَامُ الْمُجْتَهِدُ أَبُو حَنيفَةَ النُّعْمَانُ بنُ ثَابِتٍ الْكُوفِيُّ ت150 هـ في كِتَابِهِ الْفِقْهُ الأَبْسَطُ “كَانَ اللهُ تَعالى وَلا مَكَان قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ وَكَانَ اللهُ تعالى وَلَمْ يَكن أَيْنٌ وَلا خَلْقٌ وَلا شَىْءٌ
وَهُوَ خَالِقُ كُلِّ شَىْءٍ” اهـ.
نَقَلَ الْحَافِظُ الزَّبِيدِيُّ في كِتَابِهِ اتْحَافُ السَّادَةِ الْمُتَّقينَ عَنِ الإمَامِ الْمُجْتَهِدِ الشَّافِعي ت 204 هـ “إِنَّهُ تعالى كَانَ وَلا مَكَانَ فَخَلَقَ الْمَكَانَ وَهُوَ على صِفَةِ الأَزَلِيَّةِ كَمَا كَانَ قَبْلَ خَلْقِهِ الْمَكَانَ لا يَجُوزُ عَلَيْهِ التَّغْييرُ في ذَاتِهِ وَلا التَّبْديلُ في صِفَاتِهِ” اهـ.
قَالَ الإمَامُ الْعَابِدُ ذُو النُّونِ الْمِصْرِيُّ ت 245 هـ ما نَصُّهُ “الرَّحْمَنُ على الْعَرْشِ اسْتَوَى أَثْبَتَ ذَاتَهُ وَنَفَى الْمَكَانَ فَهَوَ مَوْجُودٌ بِذَاتِهِ وَالأَشْيَاءُ مَوْجُودَةٌ بِحُكْمِهِ كَمَا شَاءَ سُبْحَانَهُ” اهـ.
وَلْيُعْلَمْ أنَّ كَلِمَةَ اسْتَوى في لُغَةِ الْعَرَبِ لَهَا خَمْسَةَ عَشَرَ مَعْنًى كَمَا قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ ابنُ الْعَرَبيِّ، وَمِنْ هَذِهِ الْمَعَاني ما يَليقُ بِاللهِ تعالى كَقَهَرَ وَحَفِظَ وَأَبْقَى فَيَجُوزُ حَمْلُهَا على ذَلِكَ في حَقِّ اللهِ، وَمِنْ جُمْلَةِ مَعَانِيها مَا يَليقُ بِالْخَلْقِ ولا يَليقُ بِاللهِ كَتَمَّ وَجَلَسَ واسْتَقَرَّ وَنَضِجَ فَلا يَجُوزُ حَمْلُهَا في الآيَةِ على هَذِهِ الْمَعَانِي الَّتي لا تَليقُ بِاللهِ.
قَالَ الإِمَامُ أبو بَكْرِ ابنُ فُورَكٍ ت 406 هـ في كتابِهِ مُشْكِلُ الْحَديثِ “لا يَجُوزُ على اللهِ تعالى الْحُلُولُ في الأمَاكِنِ لاسْتِحَالَةِ كُونِهِ مَحْدُودًا وَمُتَنَاهِيًا وَذَلِكَ لاسْتِحَالَةِ كَوْنِهِ مُحْدَثًا” اهـ. مَعْنَاهُ اللهُ مَوْجُودٌ بِلا مِكَان لأَنَّ الْمَوْجُودَ في مَكَانٍ حَجْمٌ لَهُ مِقْدَارٌ وَنِهَايَةٌ وَمُسْتَحِيلٌ أَنْ يَكُونَ اللهُ شَيْئًا مَخْلُوقًا.
قَالَ الإمَامُ الْفَقيهُ أبو إسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ الشَّافعيُّ ت 476 هـ في كتابِهِ الإشَارَةُ إلى مَذْهَبِ أهلِ الْحَقِّ: “إِنَّهُ –أَيِ اللهَ تعالى- كانَ وَلا مَكَانَ ثُمَّ خَلَقَ الْمَكَانَ وَهُوَ الآنَ عَلَى مَا عَلَيْهِ كَانَ” اهـ.
قَالَ الشَّيخُ أبو حامِدٍ الغَزَاليُّ ت 505 هـ في كتابِهِ قَوَاعِدُ الْعَقائِدِ: “تَعالى –أيِ الله- عَنْ أَنْ يَحْوِيَهُ مَكَانٌ كَمَا تَقَدَّسَ عَنْ أَنْ يَحُدَّهُ زَمَانٌ بَلْ كَانَ قَبْلَ خَلْقِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وهُوَ الآنَ على ما عليهِ كانَ” اهـ.
قَالَ الْقَاضِي أبو بَكْرِ ابنُ الْعَرَبِيُّ الْمَالِكِيُّ ت 543 هـ في كتابِهِ الْقَبَسُ في شَرْحِ مُوطَّإِ مالِكِ ابنِ أنَس “الْبَارِئُ يَتَقَدَّسُ عَنْ أنْ يُحَدَّ بِالْجِهَاتِ أوْ أنْ تَكْتَنِفَهُ الأَقْطَارُ” اهـ.
قَالَ الْمُفَسِّرُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ ت 606 هـ في تَفسيرِهِ التَّفسيرُ الكبيرُ ما نَصُّهُ: “قَوْلُهُ تعالى وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعظِيمُ لا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِكَوْنِهِ عَلَيًّا الْعُلُوَّ بِالْجِهَةِ وَالْمَكَانِ لِمَا ثَبَتَتِ الأَدِلَّةُ على فَسَادِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ الْعَلِيِّ الْمُتَعَالِي عَنْ مُشَابَهَةِ الْمُمْكِنَاتِ وَمُنَاسَبَةِ الْمُحْدَثَاتِ” اهـ. أَمَّا مَعْنَى الْعَظيمُ الَّذي هُوَ أَعْظَمُ مِنْ كُلِّ شَىْءٍ قَدْرًا.
قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينُ بنُ عَبْدِ السَّلام ت 660 هـ في كِتَابِهِ مُلْحَةُ الاعْتِقَادِ عَنِ الله تعالى “لَيْسَ بِجِسْمٍ مُصَوَّرٍ وَلا جَوْهَرٍ مَحْدُودٍ مُقَدَّرٍ وَلا يُشْبِهُ شَيْئًا وَلا يُشْبِهُهُ شَىْءٌ وَلا تُحِيطُ بِهِ الْجِهَاتُ وَلا تَكْتَنِفُهُ الأرَضَونَ وَلا السَّموَاتُ كَانَ قَبْلَ أَنْ كَوَّنَ الأَكْوَانَ وَدَبَّرَ الزَّمَانَ وهُوَ الآنَ على مَا عَلَيْهِ كَانَ” اهـ.
قال الإمامُ أبو حنيفةَ رضي اللَّه عنه في الوصيَّة : نُقِرُّ بأنَّ اللَّهَ تعالى اسْتَوَى على العَرشِ مِن غيرِ أنْ يكونَ له حاجةٌ واستِقرارٌ عليه ، وهو حافظُ العرشِ وغيرِ العرشِ مِن غيرِ احْتِياجٍ ولو كان محتاجاً لمَاَ قدر على إيجادِ العالم وتدبيرِه كالمخلوقين ولو كان مُحْتاجاً لِلجلوسِ والاستقرار فقَبْلَ خلقِ العرشِ أين كان اللَّه ؟ تعالى عَنْ ذلك عُلُوّاً كَبيرّاً.
روَى البَيْهَقِيُّ عَنِ الإِمامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قالَ : مَنْ انْتَهَضَ لِمَعْرِفَةِ مُدَبِّرِهِِ فَاطْمَأَنَّ إِلى مَوْجُودٍ يَنْتَهِي إِلَيْهِ فِكْرُهُ فَهْوَ مُشَبِّهٌ ، وَإِنْ اطْمَأَنَّ إِلى الْعَدَمِ الصِّرْفِ فَهُوَ مُعَطِّلٌ ، وَإِنْ اطْمَأَنَّ إِلى مَوْجُودٍ وَاعْتَرَفَ بِالعَجْزِ عَنْ إِدْراكِهِ فَهُوَ مُوَحِّدٌ.
قال عليه أفضل الصلاة والسلام :
(( كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَىْ ءٌ غَيْرُ هُ ))
رَواهُ البُخارِيُّ في الصَّحِيحِ وَالبَيْهَقِيُّ في الأَسْماءِ وَالصِّفاتِ وَابْنِ الجارُود في المُنْتَقَى
في شَرْحِ صَحِيح مُسْلِم يَقولُ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ :
السَّمَاءُ قِبْلَةُ الدُّعَاء.
نَقَلَ الإِمامُ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ في شَرْحِهِ عَلى الْفِقْهِ الأَكْبَرِ أَنَّ الإِمامَ أَبا حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ : مَنْ قالَ لا أَعْرِفُ اللَّهَ أَفي السَّماءِ هُوَ أَمْ في الأَرْضِ فَقَدْ كَفَر. لأَنَّ هَذا الْقَوْلَ يُوهِمُ أَنَّ لِلَّهِ مَكاناً ، وَمَنْ تَوَهَّمَ أَنَّ لِلَّهِ مَكاناً فَهْوَ مُشَبِّهٌ.
كن ناشرا للخير