?يقول ربنا تبارك وتعالى وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ( سورة طه ءاية 124 ) أي من أعرض عن الإيـمان بالله تعالى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا أى ضيّقة في القبر كما فسرها النبى صلى الله عليه وسلم . وروى الترمذيُّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ” القبرُ روضةٌ مِن رِياضِ الجنةِ أو حفرةٌ مِن حُفَرِ النار” اهـ. وفي سنن النسائى عَنْ عَائِشَةَ رَضِىَ اللهُ عَنْهَا قالت: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَذَابِ الْقَبْرِ فَقَالَ ” نَعَمْ عَذَابُ الْقَبْرِ حَقٌّ ” اهـ.
فمما يجب التصديق عذاب القبر للكافر ولبعض عصاة المسلمين، قال الإمام أبو حنيفة رضى الله عنه في الفقه الأكبر: وضغطة القبر وعذابه حق كائن للكفار ولبعض عصاة المسلمين اهـ. فلا يـجوز إنكار عذاب القبر بل إنكاره كفر، قال الإمام أبو منصور البغدادِى في كتاب الفرق بين الفرق: وقطعوا أى أهل السنة والجماعة بأن المنكرين لعذاب القبر يعذبون في القبر اهـ أى لكفرهم.
وهذا العذاب يكون بالروح والجسد لكن الله يحجبه عن أبصار أكثر الناس ليكون إيـمان العبد إيمانًا بالغيب فيعظم ثوابه. ويدل على كون العذاب بالروح والجسد ما ورد عن سيدنا عمر بن الخطّاب رضى الله عنه أنه سأل الحبيب محمدًا صلى الله عليه وسلم ” أَتُرَدُّ علينا عقولنا يا رسول الله ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: نعم كهيئتكم اليوم “ اهـ قال فَبِفيه الحجر أى سكت وانقطع عن الكلام لسماعه الخبر الذى لم يكن يعرفه.
ومن الأدلة على عذاب القبر أيضًا قول الله تبارك وتعالى النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ( سورة غافر ءاية 46 )
والمراد بآل فرعون أتباعه الذين اتبعوه على الشرك والكفر، هؤلاء يُعرضون على النار أوّلَ النهار مرة وءاخِرَ النهار مرة فيمتلؤون رُعبًا وفـزَعًا وخوفًا وهذا العرض ليس في الآخرة إنما قبل قيام الساعة كما يفُهم من الآية وليس قبل الموت كما هو ظاهر فتعيَّن أن يكون في مدة القبر في البرزخ وهي المدة ما بين الموت والبعث.
? روى الترمذيُّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لأناسٍ ”فأَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ المَوْتِ فَإِنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَلَى الْقَبْرِ يَوْمٌ إِلا تَكَلَّمَ فِيهِ فَيَقُولُ أَنَا بَيْتُ الْغُرْبَةِ وَأَنَا بَيْتُ الْوَحْدَةِ وَأَنَا بَيْتُ التُّرَابِ وَأَنَا بَيْتُ الدُّودِ فَإِذَا دُفِنَ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ أى الكامل قَالَ لَهُ الْقَبْرُ مَرْحَبًا وَأَهْلا أَمَا إِنْ كُنْتَ لأحَبَّ مَنْ يَمْشِى عَلَى ظَهْرِى إِلَىَّ فَإِذْ وُلّيتُكَ اليَوْمَ وَصِرْتَ إِلَىَّ فَسَتَرَى صَنيعِى بِكَ قَالَ فَيَتَّسِعُ لَهُ مَدَّ بَصَرِهِ وَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ وَإِذَا دُفِنَ الْعَبْدُ الْفَاجِرُ أوْ الْكافِرُ قَالَ لَهُ الْقَبْرُ لا مَرْحَبًا ولا أَهْلا أَمَا إِنْ كُنْتَ لأبْغَضَ مَنْ يَمْشِى عَلَى ظُهرِى إِلَىَّ فَإِذْ وُلّيتُكَ الْيَوْمَ وَصِرْتَ إِلَىَّ فَسَتَرَى صَنِيعىَ بكَ قَالَ فَيَلْتَئِمُ عَلَيْهِ حَتَّى تَلْتَقِى عَلَيْهِ وَتَخْتَلِفَ أضْلاعُهُ ” قال أى الراوى، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَصَابِعِهِ فَأَدْخَلَ بَعْضَهَا فِى جَوْفِ بَعْضٍ قَالَ ”وَيُقَيّضُ اللهُ لَهُ سَبْعِينَ تِنّينًا لَوْ أنَّ وَاحِدًا مِنْهَا نَفَخَ فِي الأرْضِ مَا أَنْبَتَتْ شَيْئًا مَا بَقِيَتِ الدُّنيَا فَيَنْهَشْنَهُ وَيَخْدِشْنَهُ حَتَّى يُفْضَى بِهِ إِلَى الحِسَابِ “ اهـ.
فمن عذاب القبر ضغطة القبر يقترب حائطَا القبر من جانبيه حتى تتداخل أضلاعه، أضلاعه التى عن جانبه الأيـمن تتداخل مع أضلاعه التى عن الجانب الأيسر.
ومن عذاب القبر أيضًا الانزعاج من ظُلمة القبر ووحشته ومنه أيضًا ضرب منكر ونكير للكافر بمطرقة من حديد لو ضُرب بها جبل لذاب يُضربُ ضربةً فيصيح من الألم صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين أى إلا الإنسَ والجنَّ.
ومن عذاب القبر أيضًا تسليط الأفاعِى والعقاربِ وحشرات الأرض عليه فتنهش وتأكل من جسده ففي المستدرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يقال للفاجر: ”ارقد منهوشًا، فما من دابة في الأرض إلا ولها في جسده نصيب “ اهـ، وروى الطبرانُّى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:” وَيُسَلَّطُ عَلَيْهِ عَقَارِبُ وَثَعَابِينُ، لَوْ نَفَخَ أَحَدُهُمْ فِي الدُّنْيَا مَا أَنْبَتَتْ شَيْئًا تَنْهَشُهُ وتؤمر الأرضُ فتضمه حتى تختلف أضلاعُهُ “ اهـ.
روى أبو داود في سننه عن البراء بن عازب رضِىَ الله عنه أنه قال: خَرَجْنَا مَعَ رَسْولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ فيِ جَنَازَةِ رَجُلٍ مِنْ الأَنْصَارِ فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ وَلَمَّا يُلْحَدْ فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ كَأَنّـمَا عَلَى رُؤوسِنَا الطَّيْرُ وَفىِ يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ بهِ الأرْضَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ ” اسْتَعِيذُوا بِاللهِ مِنْ عَذابِ الْقَبْرِ اسْتَعِيذُوا بِاللهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا “اهـ.