أم المؤمنين سودة رضي الله عنها
اسمها ونسبها:
السَيِّدَةُ، الجَلِيْلَةُ، النَبِيْلَةُ، أُمُّ المُؤْمِنِيْنَ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ بنِ قَيْسٍ العَامِرِيَّةُ القُرَشِيَّةُ، وأُمّها الشَّمُوسُ بنتُ قَيس بنِ زَيد بنِ عَمرو، مِن بني النّجّار.
كانَت أَوَّلاً تحت ابن عم لها يقال له السَّكْرَان بن عَمْرٍو، أَخو سُهَيْل بن عَمْرٍو العَامِرِي، فَأَسْلَمَ وتُوفّي عَنْها.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَسْلَمَتْ سَوْدَةُ وَزَوْجُهَا، فَهَاجرَا إِلَى الحَبَشَةِ.
وَعَنْ بُكَيْرِ بنِ الأَشَجِّ: أَنَّ السَّكْرَانَ قَدِمَ مِنَ الحَبَشَةِ بِسَوْدَةَ، فَتُوُفِّيَ عَنْهَا، فَخَطَبَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَتْ: أَمْرِي إِلَيْكَ. قَالَ: (مُرِي رَجُلاً مِنْ قَوْمِكِ يُزَوِّجُكِ). فَأَمَرَتْ حَاطِبَ بنَ عَمْرٍو العَامِرِيَّ، فَزَوَّجَهَا، وَهُوَ مُهَاجِرِيٌّ بَدْرِيٌّ.
وقد أخرج ابن سعد أن خولة بنت حكيم قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاة السيدة خديجة: أفلا أخطب عليك، قال: بلى فإنكن معشر النساء أرفق بذلك.
فخطبت عليه سودة بنت زمعة وعائشة. فبنى بسودة بمكة، وَانْفَرَدَتْ بِهِ نَحْوًا مِنْ ثَلاَثِ سِنِيْنَ أَوْ أَكْثَرَ، حَتَّى بنى بِعَائِشَةَ.
فسودة هِيَ أَوَّلُ مَنْ تَزَوَّجَ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعدَ وفاةِ خَديجة، ولسودة ستة أبناء، على صداق وقدره أربعمائة درهم، تَزَوَّجَها رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ عَشْرٍ مِنَ النُّبُوَّةِ، وَهَاجَرَ بِهَا، وقيلَ تَزوّجها في شَوال قَبل مُهاجَرِه إلى المدينةِ.
صفاتها:
تعد سودة رضي الله عنها من فواضل نساء عصرها كانت سَيِّدَةً جَلِيْلَةً، نَبِيْلَةً، ذات أخلاق حميدة، عرفت بالصلاح والتقوى، كانت امرأة صالحة تحب الصدقة كثيرًا، وكانت تمتاز بطول اليد، لكثرة صدقتها.
فضلها ورواياتها للحديث:
روت عن النبي أحاديث كثيرة. حَدَّثَ عَنْهَا: ابْنُ عَبَّاسٍ، وغيره.
وفي صحيح البخاري: أن سودة كانت إحدى أسباب نزول آية الحجاب، أي الآية التي نزلت في أمر نساء النبي صلى الله عليه وسلم بالاحتجاب من الرجال. ومنها قوله تعالى: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ.
وروى الشيخان عن عائشة أن سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة بيومها ويوم سودة. ووقع في رواية مسلم: لما أن كبرت سودة وهبت. وفي رواية أبي داود: قالت سودة بنت زمعة حين أسنت وخافت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله يومي لعائشة، فقبل ذلك منها، ففيها وأشباهها نزلت: (فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ).
ومن طريق معمر قال: بلغني أنها كلمت رسول الله فقالت: ما بي على الأزواج من حرص ولكني أحب أن يبعثني الله يوم القيامة زوجا لك.
وفي صحيح مسلم: عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ امْرَأَةً أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَكُونَ فِي مِسْلاَخِهَا مِنْ سَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ، مِنِ امْرَأَةٍ فِيها حِدَّةٌ.
(المسلاخ بكسر الميم وبالخاء المعجمة وهو: الجلد ومعناه: أن أكون أنا هي، وزمعة بفتح الميم وإسكانها).
وقولها: (مِنِ امْرَأَةٍ فِيها حِدَّةٌ) وصفتها بقوَّة النَّفس، وجودة القريحة، وهي الحدَّة بكسر الحاء.
قَالَ: فَلَمَّا كَبِرَتْ جَعَلَتْ يَوْمَهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- لِعَائِشَةَ.
(وهذا فيه: جواز هبتها نوبتها لضرَّتها لأنَّه حقَّها، لكن يشترط رضا الزَّوج بذلك، وللواهبة الرُّجوع متى شاءت، فترجع في المستقبل دون الماضي)
قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ جَعَلْتُ يَوْمِي مِنْكَ لِعَائِشَةَ، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- يَقْسِمُ لِعَائِشَةَ يَوْمَيْنِ: يَوْمَهَا، وَيَوْمَ سَوْدَةَ.
(معناه: أنَّه كان يكون عند عائشة في يومها، ويكون عندها أيضًا في يوم سودة لا أنَّه يوالي لها اليومين)
وفي صحيح البخاري: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:
نَزَلْنَا الْمُزْدَلِفَةَ فَاسْتَأْذَنَت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَوْدَةُ أَنْ تَدْفَعَ قَبْلَ حَطْمَةِ النَّاسِ(زحمتهم)، وَكَانَتْ امْرَأَةً بَطِيئَةً- أي بطيئة الحركة – فَأَذِنَ لَهَا، فَدَفَعَتْ قَبْلَ حَطْمَةِ النَّاسِ، وَأَقَمْنَا حَتَّى أَصْبَحْنَا نَحْنُ، ثُمَّ دَفَعْنَا بِدَفْعِهِ.
يعني أن الرسول صلى الله عليه وسلم أذن لسودة، في الحج، بعد خروجها من عرفات، أن تبدأ سيرها من مزدلفة إلى منى ليلا قبل زحمة الناس، وهكذا فعلت، فَصَلّتِ الْفَجْرَ بِمِنًى وَرَمَتْ جمرة العقبة قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ النّاسُ. وهذا الحكم عام للضّعَفَة من النساء والصبيان لئلا يتأذوا بالزحام، وأما غيرهم فيستحب لهم المكث حتى يصلوا الصبح بمزدلفة.
وفاتها:
رَوَى عَمْرُو بنُ الحَارِثِ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي هِلاَلٍ: أَنَّ سَوْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا تُوُفِّيَتْ في آخر زمان عُمَر بن الخطاب رضي الله عنه. ويقال: إنها تُوفّيَت فِي شَوَّال سنةَ أَربعٍ وخمسِين بالمدينة المنورة.