أم رومان بنت عامر رضي الله عنها
زوجةُ الصِّدّيق … وأمُّ الصِّدّيقة
ترجمتها
تسابق عدد كبير من الفضلاء في رواية ترجمة حياة هذه الصحابية الجليلة. فقد جاء في “سير أعلام النبلاء” و “أسد الغابة”: هي أم رومان بنت عامر بن عويمر الكنانية . وقال ابن عبد البر في “الاستيعاب”: يقال: أم رومان بفتح الراء وضمها.
وذكر ابن إسحاق أن اسمها زينب، وجاء في “الإصابة” أن اسمها دعد، ولكن الذي اشتهرت به كنيتها أم رومان.
نشأت في منطقة السّراة من جزيرة العرب، وتزوجت رجلا هو عبد الله بن الحارث بن سخبرة الأزدي، فولدت له الطُّفيل بن عبد الله وكان زوجها عبد الله بن الحارث يرغب في الإقامة بمكة أم القرى فانتقل إليها وأقام مع أسرته فيها، وعلى ما جرت عليه عادة الحلف في الجاهلية، رأى عبد الله بن أبي بكر عبد الله ابن أبي قحافة خير حلف، فحالفه، وبقي هناك حتى توفي، وخلّف وراءه زوجة وطفلها دون معيل لهما، يعانيان ءالام الغربة والوحدة، ولكن أم رومان لم تبق وحيدة لفترة طويلة… فقد تزوجها الصِّدّيق رضي الله عنه، وعاشت في كنفه حيث وجدت فيه كل الخصال الحميدة والمعاني الكريمة، وولدتْ له عبد الرحمن وعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلّم.
ولم تُخطئ أم رومان بقبولها الزواج من أبي بكر رضي الله عنه، فقد كان صاحب نجدة ومروءة وسخاء وكرم، وكان كما وصفه ابن الدِّغنّة لقريش لما همّ أبو بكر أن يهجر بلده: “أتُخرجون رجلا يُكسب المعدوم، ويصلُ الرحم، ويحمل الكَلَّ، ويُقري الضيف، ويعين على نوائب الدهر؟”.
وتظهر صفات الصِّدّيق هذه بزواجه من أم رومان إذ رحم حالها، وأحسن عشرتها، وأكرم ابنها الطفيل ورباه كأنه ولده.
ومن المفيد هنا أن نذكر أن أبا بكر تزوج في الجاهلية قتيلة بنت عبد العزى القرشية العامرية فولدت له عبد الله وأسماء. وبعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلّم تزوج أسماء بنت عميس رضي الله عنها فولدت له محمدًا .
قالت الصِّديقة بنت الصِّدّيق حبيبة حبيب الله المبرأة الطاهرة: “لم أعقل أبويّ إلا وهما يدينان الدين”.
وتلقت أم رومان تعاليم الشريعة، وكانت مسرورة بزيارة الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلّم لزوجها الصديق، وأخذت تبذل ما في وسعها لإكرامه. وذكر ابن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان يوصي أم رومان بعائشة ويقول: “ يا أم رومان استوصي بعائشة خيرًا واحفظيني فيها”.
وكانت أم رومان تتألم لما يلحق بالمسلمين من العذاب على أيدي المشركين، وكانت تسمع النبي صلى الله عليه وسلّم يحثهم على الصبر، فكان يسعدها أن ترى زوجها الصديق ينقذ المؤمنين المستضعفين من العذاب، فيعتقهم من خالص ماله، فتشد أزره وتعاونه في عمله الطيب المبارك ولو بالكلمة الطيبة.
الهجرة المباركة
قال ابن سعد في طبقاته: كانت أم رومان امرأة صالحة، ولها فضل السبق في مضمار الهجرة. وبعد أن أكرم الله المؤمنين في غزوة بدر، تزوج النبي صلى الله عليه وسلّم عائشة في شوال من السنة الثانية من الهجرة النبوية الشريفة. وكانت أم رومان قد هيأت عائشة لتكون في بيت النبوة، فأحسنت تربيتها وزوّدتها بالقرءان والأدب.
وفاتها
ذكر ابن سعد في “طبقاته” وفاة الصحابية الجليلة أم رومان وأثنى عليها فقال: “وكانت أم رومان امرأة صالحة، وتوفيت في عهد النبي صلى الله عليه وسلّم في ذي الحجة سنة ست من الهجرة”.
وكان لوفاتها رضوان الله عليها أثر كبير في نفس الرسول الكريم صلى الله عليه وسلّم وكذلك في نفس ابنتها وزوجها. ولكن الله أكرمها بكرامة عظيمة، فقد نزل رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى قبرها واستغفر لها.
ويروى أن النبي العظيم صلى الله عليه وسلّم لم ينزل في قبر أحد إلا خمسة قبور، ثلاث نسوة ورجلين، منها قبر السيدة خديجة في مكة المكرمة، وأربعة في المدينة، منها قبر أم رومان في البقيع حيث دعا لها هناك وقال: “اللهم إنه لم يخفَ عليك ما لَقيت أم رومان فيك وفي رسولك“. ومن رصيد أم رومان من البشائر أنها روت عن النبي صلى الله عليه وسلّم حديثًا واحدًا انفرد بإخراجه الإمام البخاري رحمه الله.
وبعد فهذه قبسات من سيرة هذه الصحابية المؤمنة والأم الرؤوف العطوف والزوجة الصالحة.. إنها زوجة الصِّدّيق وأم الصِّديقة رضي الله عنهم أجمعين.