روى البيهقيُ عن شَدّادِ بنِ أَوسٍ قالَ قُلنَا يا رسولَ اللهِ كيفَ أُسرِيَ بكَ قالَ“صَلّيتُ لأصحَابي صَلاةَ العَتَمة مُعْتِمًا وأَتاني جبريلُ عليه السلام بدَابّةٍ بيضَاءَ فوقَ الحمَار ودُونَ البَغلِ فقَال اركَب فاستَصعَبتْ عَليَّ فدَارَها بأُذنها ثم حمَلني علَيها “. ومعنى صَلاة العتَمة أي صَلاة الليل، كانَ فَرضًا على الرسولِ قبلَ أن تُفرَض الصّلواتُ الخمسُ أن يُصلّي قيامَ الليل.
ومعنى قولِه استَصعَبت عليّ أي تمنَّعَ البُراقُ واستَعصَى مِن بابِ الدّلالِ، يقولُ بعضُ العُلماء أي مِن فَرحَتِه أصَابَتْهُ هَزّةٌ، ليسَ إباءً تمنَّع، وإنّما كانَ ذلك من بابِ التِّيهِ أي الدَّلال .وقد قالَ جبريلُ عليه السلام للبراقِ ما رَكبَكَ أحَدٌ أَكرمُ على اللهِ مِن محمّد.
وقد روى مسلم عن أنس بنِ مالكٍ رضيَ اللهُ عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” أُتِيتُ بالبُراقِ وهوَ دَابّةٌ أَبيَضُ طَويلٌ فَوقَ الحمَارِ ودُونَ البَغلِ، يضَعُ حَافرُه عندَ مُنتَهَى طَرْفِه، قالَ فَركِبتُه حتى أَتيتُ بَيتَ المقدِس فَربَطْتُه بالحَلقةِ التي يَربِطُ بها الأنبياء، قال ثم دخَلتُ المسجدَ فصَلّيتُ فيه ركعَتين، ثمّ خَرجتُ فجَاءني جبريلُ عليهِ السّلامُ بإناءٍ مِن خمرٍ (وهو مِن خمرِ الجنّةِ اللذيذِ الذي لا يُسكِرُ ولا يُصدِعُ الرأس) وإناءٍ مِن لَبن، فاختَرتُ اللّبنَ، فقال جبريلُ عليه السلامُ:اختَرتَ الفِطرةَ، قال ثمّ عَرَجَ بنا إلى السّماء …إلى ءاخرِ الحديث”.
وفي الحديثِ دليلٌ على أن الإسراءَ والمعراجَ كانا في ليلةٍ واحدةٍ برُوحِه وجسَدِه يَقظَةً إذْ لم يقُل أحَدٌ إنّه وصَل إلى بيتِ المقدس ثمّ نامَ.
والبُراق دابةٌ مِن دَوابّ الجنّة.
وقوله يضَعُ حَافرُه عند منتَهى طَرْفِه، أي حَيثُ يصِلُ نظَرُه يضَع رِجْلَه،كلُّ خَطوةٍ مِن خَطَواتِه تَسَعُ إلى مَدّ البصَر، أَمْرُ البُراق منَ العجائب المخَالفة للعادة، وكانَ البُراق لما يأتي على ارتفاع تطُولُ رِجلاه ولمّا يأتي على انخفَاضٍ تَقصُر رِجْلاه.
قولُه بالحَلقة التي يَربِطُ بها الأنبياء، تُوجَد في بيتِ المقدس صَخرة فيها ثُقْب يُربطُ به البراق، الأنبياءُ لما يَركَبون البراقَ إذا أتَوا بيتَ المقدس بهذه الحَلقة يربِطُون. المسجدُ الأقصى قديم بينه وبينَ الكَعبةِ أربعونَ سنة.
قوله وإناءٍ مِن لبن أي حلِيب.
قوله اختَرتَ الفِطرة أي تمسَّكتَ بالدّين.