السيدة الشريفة نفيسة بنت الحسن

من كرامات السيدة الشريفة نفيسة بنت الحسن

رضوان الله عليها

نفيسة بنت الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، شجرة طيبة في واحةٍ طيبةٍ، امرأة مسلمة، ولية صالحة، راجحة العقل، ذات علم ومعرفة وأدب جم، ليست عاطلةً من عمل الدنيا؛ وليست غافلة عن عمل الآخرة، كانت صاحبة درايةٍ وإتقانٍ في شؤون منـزلها، ورعاية زوجها وأبنائها، ومن أحسنهنَّ اتقانًا لفنِّ إدارة المنـزل الذي كانت تعمره بالعبادة والذكر والتربية الحسنة، وحسن التعامل مع زوجها الذي كان يسعد بها كلَّ السعادة ويصرِّح لها بجمال ما أودع الله فيها من صفات حسنة شكلاً ومضمونًا، فما تردُّ عليه إلا بوجهٍ بشوش، وكلماتٍ راقيةٍ تدل على أدبها الجم.

وكانت صاحباتها يجدن من الأنس بمجلسها ما لا يجدنه عند غيرها، وتجد صدورهنَّ من الانشراح، وقلوبهنَّ من الارتياح ما يجعلهن ينظرن إليها نظر التلميذ بشيخه، وكانت تغمر من يجلس إليها بالمودة، وتُفيض عليهن من التوجيه والعلم.كأني بها توجه رسالتها إلينا جميعًا، وإلى بنات جنسها خاصة قائلة: ما أجمل الثبات على الحق وأسعد صاحبه.

استقامت السيدة نفيسة رضي الله عنها بطاعة الله، فأكرمها بكرامات كثيرة نذكر بَعضًا منها:

دعاؤها للشافعي:

كان الإمام الشافعي رضي الله عنه إذا مرِض يرسِلُ لها رسولا من عندِه، كالربيع الجِيزي أو الربيع المُرادِيّ، فيقرئها سلامَه ويقول لها: إن ابن عمّك الشافعي مَرِيض، ويسألُك الدّعاء فتَدعو له، فلا يرجِعُ إليه رسولُه إلا وقد عُوفي مِن مَرضِه.

فلمّا مَرض الشافعيُّ مرضَه الأخير، أرسلَ لها على عادتِه رسولَه يسألها الدعاءَ له، فقالت لرسولهِ: متّعَه الله بالنظَر إلى وجهِه الكريم (أي ذاته الكريم في الآخرة بلا كيف ولا جهة ولا مكان).

– ومن كراماتها رضي الله عنها ما يروى أنه حينما قدمت إلى مصر ونزلت في دار، فأقامت بهذه الدار عدة شهور، كان بجوارها يهود. من جملتهم إمرأة يهودية لها إبنة مشلولة مقعدة لا تقدر على الحركة، فأرادت الأم أن تذهب إلى الحمام، فسألت ابنتها أن تأخذها معها إلى الحمام فامتنعت البنت فقالت لها أمها تقيمين في الدار وحدك!

فقالت لها أشتهي أن أكون عند جارتنا الشريفة حتى تعودين فجاءت الأم إلى السيدة نفيسة واستأذنتها في ذلك فأذنت لها فحملتها ووضعتها في زاوية من البيت وذهبت .

قامت السيدة نفيسة وتوضأت جرى ماء وضوئها إلى البنت اليهودية، فألهمها الله سبحانه وتعالى أن أخذت من ماء الوضوء شيئاً قليلاً بيدها ومسحت به على رجليها فوقفت في حينها بإذن الله (هذه بركة وضوء السيدة نفيسة فكيف بوضوء الرسول الأعظم، هذه واحدة من ذريته) .

شفيت تلك البنت المقعدة من الشلل في الوقت نفسه وقامت تمشي على قدميها كأن لم يكن بها مرض قط، هذا والسيدة نفيسة مشغولة بصلاتها مستغرقة، لم تعلم ما جرى، ثم إن البنت سمعت مجيء أمها فخرجت من دار السيدة نفيسة حتى أتت إلى دار أمها فطرقت الباب فخرجت الأم تنظر من يطرق الباب فدخلت البنت وعانقت أمها وقبلتها فلم تعرفها أمها لأن ابنتها مقعدة، فقالت لها: من أنت فقالت: أنا ابنتك قالت: وكيف قضيتك؟ فأخبرتها بقصتها كاملة.

فقالت الأم: هذا والله الدين الصحيح وما نحن عليه من الدين قبيح أي عن اليهودية ثم دخلت فأقبلت تقبل قدم السيدة نفيسة وقالت لها امددي يدك أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن جدك محمدًا رسول الله، فشكرت السيدة نفيسة ربها عزّ وجلّ وحمدته على هداها وانقاذها من الضلال .

ثم مضت المرأة إلى منـزلها فلما حضر زوجها أبو البنت وكان اسمه أيوب وكان لقبه أبو السرايا وكان من أعيان قومه ورأى البنت على تلك الحالة ذُهل وطاش عقله من الفرح، قال لامرأته ما قصتها يا امرأة، فأخبرته بقصتها مع السيدة نفيسة فقال: سبحانك هديت من تشاء وأضللت من تشاء والله هذا الدين الصحيح ولا دين صحيح إلا دين الإسلام، ثم أتى إلى باب السيدة نفيسة فمر بخديه على عتبة بابها وأسلم وقال أشهد أن لا إله إلا الله وأن جدك محمدًا رسول الله. ثم شاع خبر البنت وإسلامها وإسلام أبيها وأمها وجماعة من الجيران اليهود.

-ومن كراماتها:

أنه كان في حياتها أمير ظالم فطلب إنسانًا ليعذبه، فمر ذلك الإنسان بالسيدة نفيسة واستجــار بها ( وهو ممسك به الجنود) فطلب منها الدعاء له، فدعت له بالخلاص من ذلك الظالم وقالت : إمض حجب الله عنك أبصار الظالمين .

فمضى ذلك الرجل مع أعوان الأمير الظالم إلى أن وقفوا بين يديه، فقال الأمير لأعوانه أين الغلام؟ فقالوا إنه واقف بين يديك فقال الأمير: والله ما أراه فقالوا إنه مرّ بالسيدة نفيسة وسألها الدعاء، فقال الأمير وبلغ من ظلمي هذا كله أن يحجب الله عني المظلوم، فقال يا ربّ إني تائب إليك، فلما تاب ونصح في توبته رأى الرجل، فهذا لما صدق في توبته رأى الرجل أمامه فقال للرجل تعال إلي وقبل رأسه وألبسه ثيابًا ثمينة وصرفه من عنده .

-ومن كراماتها أيضًا ما حكى الأزهري في “الكواكب السيارة”  من غريب مناقب السيدة نفيسة بنت الحسن، أن امرأة عجوزا لها أربعة أولاد بنات كن يتقوّتن من غزلهن (يغزلن الصوف) من الجمعة إلى الجمعة .

فأخذت أمهن الغزل لتبيعه وتشتري بنصفه كتانًا ونصفه الآخر ما يتقوّتن به على جري العادة، ولفت الغزل في قطعة حمراء ومضت إلى نحو السوق، فلما كانت في بعض الطريق إذا بطائر انقض عليها وخطف منها الرزمة، الغزل ثم ارتفع في الهواء، فلما رأت العجوز ذلك وقعت مغشيًا عليها (مؤكد هذا لأنه ليس عندها مال تقتات منه غير ذلك الغزل) فلما أفاقت من غشيتها هذه قالت: كيف أصنع بأيتامي ؟ قد أهلكهم الفقر والجوع فبكت فاجتمع الناس عليها وسألوها عن شأنها فأخبرتهم بالقصة فدلوها على السيدة نفيسة وقالوا لها اسأليها الدعاء فإن الله سبحانه وتعالى يزيل ما بك، فلما جاءت إلى باب السيدة نفيسة أخبرتها بما جرى لها مع الطائر وسألتها الدعاء فرحمتها السيدة نفيسة، دعت لها دعاءً أن ييسر لها أمرها فقعدت المرأة تنتظر الفرج وفي قلبها من جوع أولادها شدة وضيق.

فلما كان بعد ساعة يسيرة إذا بجماعة قد أقبلوا وسألوا عن السيدة نفيسة وقالوا إن لنا أمرًا عجيبًا، نحن قوم مسافرون لنا مدة في البحر ونحن بحمد الله سالمون فلما وصلنا إلى قرب بلادكم انفتحت المركب التي نحن فيها ودخل فيها الماء وأشرفنا على الغرق وجعلنا نسد الخرق الذي انفتح فلم نقدر على سده، وإذا بطائر ألقى علينا سرة حمراء فيها غزل فسدت الفتحة بإذن الله. وقد جئنا بخمسمائة دينار شكرًا على السلامة .

فبعد ذلك بكت السيدة نفيسة وقالت: إلهي وسيدي ومولاي ما أرحمك وألطفك بعبادك، ثم طلبت العجوز صاحبة الغزل وقالت لها: بكم تبيعين غزلك فقالت بعشرين درهمًا فناولتها الخمسمائة دينار فأخذتها وجاءت إلى بناتها فأخبرتهن بما جرى فتركن الغزل وجئن إلى بيت السيدة نفيسة وقبلن يدها وتبركن بها.

نعم من يتق الله يجعل له مخرجًا، من صبر ظفر فله الأجر ومن اعترض على الله كفر .  

أضف تعليق