حدث في مثل هذا الشهر الهجري
صفر
في الخامس من صفرٍ بالتحديد وهوَ موعدُ غزوةِ خيبرَ وخيبرُ تبعدُ عن المدينةِ المنورة ثلاثةَ أيامٍ ذاتُ حصونٍ محصنة وأكبرها يُسمّى بالقَموص وهو الذي فتحهُ سيدنا عليٌّ رضي الله عنهُ وخلعَ بابه. وقد تساقطتْ هذه الحصونُ على يديْ رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحقّق نصرٌ كبيرٌ للمسلمين على اليهودِ، ويومها أهدَت له زينب امرأةُ سلامِ بن مِشْكَمٍ وهي يهودية شاةً مطبوخةً وقد وضعتْ فيها سُمًّا فلاكَ صلى الله عليه وسلم منها قطعةً ولم يَسُغْها فلفظها، ومعه بشرُ بن البراءِ فلاك مضغةً فأساغها، ثم قال المصطفى: إن هذا العظمَ يخبرني أنّه مسمومٌ، ثم دعا بها فاعترفت وقالت: “قلتُ إن كان ملِكًا استَرحنا منهُ وإن كان نبيًّا فستخبره”، فتجاوز عنها ومات بشر، ثم بقي صلى الله عليه وسلم بعدها ثلاث سنينَ حتى كان وجعهُ التي توفي فيهِ فقال: هذا أوان انقطاع أَبهري من ذلك السمّ. فكانوا يرون أنّه مات شهيدًا مع ما أكرمهُ اللهُ من النبوةِ.
* في الثالث من شهر صفرٍ من عامِ سبعة وخمسين للهجرةِ ولد الإمامُ محمدُ بن زين العابدينَ عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللهُ عنهم، الملقب بالباقرِ وهو والدُ الإمامِ جعفر الصادق. كان الباقر عالمًا سيّدًا كبيرًا وإنما قيل له الباقرَ لأنه بقرَ العلمَ أي توسّع فيه والتبقّر التوسع. أمُّه السيدة فاطمة بنت الحسنِ بن عليّ رضي الله عنهُم ومن مشهور أقواله رضي الله عنهُ: سلاح اللئام قبيح الكلام، وعنه قال: واللهِ لَموتُ عالمٍ أحبّ إلى إبليس من موت سبعين عابدًا. وفي جوده وكرمه رضي الله عنهُ ما روي عن الأسودِ بن كثير أنّه قالَ: شكوتُ إلى محمد بن عليّ الحاجة وجفاءَ الإخوان، فقال: بئس الأخ أخ يرعاك غنيًّا ويقطعك فقيرًا، ثم أمر غلامَه فأخرج كيسًا فيه سبعمائة درهم، فقال: استنفق هذه فإذا نفدت فأعلمني. كان عمره عندما قتلَ جدّه الحسين رضي الله عنهُ ثلاث سنينَ، وتوفي الإمامُ محمد الباقرُ في شهر ربيع الآخر سنة مائة وثلاث عشرة للهجرة ونقل إلى المدينة المنورةِ ودفن بالبقيع في القبرِ الذي فيه أبوه وعم أبيه الحسن بن عليّ رضي الله عنهم في القبة التي فيها قبر العباس رضي الله عنه.
* وفي الثامن والعشرين من شهر صفر عام مائة وسبعةٍ وخمسين للهجرةِ توفي الإمام عبد الرحمن الأوزاعيّ رضي الله عنهُ عن تسعة وستين عامًا، كان في زمانِه رحمه الله إمامَ الديار الشامية في الفقه والزهدِ ولد في بعلبك ونشأ في البقاع وسكن بيروت وتوفي بها. له كتاب السنن في الفقه والمسائلِ، ويقدّر ما سئل عنهُ بسبعين ألف مسئلة أجاب عليها كلِّها. وكانت الفتيا تدور بالأندلس على مذهبه الذي عُمل به لمائتي سنة إلى زمن الحكَم بن هشام.
* في الثالث عشر من شهر صفر من عام ثلاثمائةٍ وثلاثةٍ للهجرةِ توفي الإمامُ أبو عبد الرحمنِ أحمدُ بن عليّ بن شعيبٍ النسائيّ الحافظُ رحمهُ اللهُ تعالى والذي كان إمامَ أهل عصرِه في الحديثِ، وله كتاب السنن، وسكنَ بمصرَ وانتشرتْ بها تصانيفُهُ وأخذ عنه الناس. ويقول الحافظُ الدارقطني: حُمِل الإمامُ النسائيّ ءاخر أيامه إلى مكةَ فتوفي بها ودفنَ فيها.
وهو ينسب إلى نسأْ وهي مدينة بخراسان خرج منها جماعة من الأعيان.
* وفي الحادي والعشرين من صفر وقيل من المحرم سنة أربعمائة وثلاثين للهجرة توفي الحافظُ المشهورُ أبو نُعيم أحمدُ بن عبد اللهِ بن أحمدَ الأصبهانيّ صاحب كتاب “حلية الأولياء” كان من الأعلامِ المحدّثينَ وأكابر الحفّاظ الثقاة، أخذَ عن الأفاضلِ وأخذوا عنهُ، وانتفعوا به وكتاب الحلية من أحسن الكتب، وله كتاب “تاريخ أصبهان” ويقول السبكيّ في كتابه طبقات الشافعية في ترجمة الإمام أبي نعيم: كان أبو نعيم في وقته مرحولاً إليه ولم يكن في أفقٍ من الآفاق أسندَ ولا أحفظ منه، كان حفّاظُ الدنيا قد اجتمعوا عنده، فكان في كلّ يومٍ نوبة واحد منهم يقرأ ما يريدهُ إلى قريب الظهر، فإذا قام إلى داره ربّما كان يقرأ عليه في الطريق جزءًا، وكان لا يضجر، لم يكن له غذاء سوى التصنيف أو التسميع وقال حمزة بن العباس العلويّ: كان أصحاب الحديث يقولون: بقي أبو نعيم أربع عشرة سنة بلا نظير لا يوجد شرقًا ولا غربًا أعلى إسنادًا منه ولا أحفظَ منه.
وللإمامِ أبي نُعيم كرامات مشهورة، توفي وله من العمر أربع وتسعون سنة رحمه الله.
* وفي الثالث من صفر عام أربعمائة وخمسة للهجرةِ الشريفة توفي الحافظ المعروف بابن البَيّع أبو عبد الله محمد بن عبد الله المشهورُ بالحاكمِ النيسابوريّ، إمام أهل الحديث في عصرهِ، والمؤلفُ فيه الكتب التي لم يسبق إلى مثلها، كان عالمًا عارفًا واسع العلم، ثم طلب الحديثَ وغلبَ عليه فاشتهر به، وسمعه من جماعة لا يحصون كثرة فإن معجم شيوخه يقرب من ألفي رجل. وصنف في علومه ما يبلغ ألفًا وخمسمائة جزء منها الصحيحان. وأما ما تفرد بإخراجه فتاريخ علماء نيسابور والمستدرك على الصحيحين وهو أشهر كتبه. وإنما عُرف بالحاكم لتقلده القضاء رحمه الله تعالى.
* وفي السابع والعشرين من صفر وفي عام خمسمائة وتسعة وثمانين للهجرة توفي السلطان صلاح الدين الأيوبي رحمه الله. هو السلطانُ يوسف بن أيوب أبو المظفر، الملقب بالملك الناصر، من أشهر ملوك الإسلام. ولد بتكريت ثم ولي أبوه أيوب أعمالاً في بغداد والموصل ودمشق، ونشأ هو في دمشق، وتفقه وتأدّب وروى الحديثَ بها وبمصر والاسكندرية، وحدّث في القدس، ودخل مع أبيه نجم في خدمة نور الدين محمود بن عماد الدين زَنكي.
ولما استلم الحكمَ انصرف إلى عملين كبيرين: أحدهما الإصلاح الداخليّ في مصر والشام، بحيث كان يتردد بين القطرين، والثاني دفع غارات الإفرنجة الذين ردّهم وانتصر عليهم واستعاد القدس من أيديهم.
كان رقيق القلب على شدة بطولته، رجل سياسة وحرب، بعيدَ النظر، متواضعًا مع جنده وأمراء جيشه رحمه الله، حفِظ كتاب التنبيه وهو في الفقه الشافعي وكتاب الحماسة في الشعر، ولم يدّخر لنفسه مالاً ولا عقارًا، وكانت مدة حكمه بمصر أربعًا وعشرين سنة. وخلّف من الأولاد سبعةَ عشر ذكرًا وأنثى واحدة، توفي رحمه الله ودفن في دمشق.