سمية بنت خباط

الصحابية سميّة بنتُ خُبّاط    الشهيدة الصابرة

هي صحابية جليلة القدر أكرمها الله وشرح صدرها للإسلام، ثم رفع الله درجاتها حين أكرمها بالشهادة، فكانت أول شهيدة بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم سمية بنت خُبَّاط أمّ الصحابي الجليل عمّار بن ياسر رضي الله عنهما.

قال الحافظ ابن حجر في الإصابة: سمية بنت خباط بمعجمة مضمومة وموحدة ثقيلة.اهـ

هذه الأسرة الياسرية العظيمة جمعت العديد من الفضائل كالإيمان والصبر على البلاء، وفاحت هذه الفضائل وعطرت أجواء مكة بالطّيب.

والكلام عن الصحابية الجليلة سُميّة يُمتع الأسماع ويؤنس النفوس، فهي في قائمة الشهداء الذين يكرمهم الله تبارك وتعالى في الآخرة.

الأسرة الياسرية

خرج أحد أبناء عامر بن مالك من اليمن إلى مكة، ولكنه لم يعد وطالت غيبته، فخرج إخوته: ياسر والحارث ومالك أبناء عامر، وقدموا مكة يطلبون أخاهم، غير أنهم لم يقعوا على خبره، واستطاب المقام لأخيهم ياسر في مكة، واستعذب الجوار في جانب البيت العتيق، بينما رجع أخواه الحارث ومالك إلى اليمن.

أقام ياسر بمكة وحيدًا، غير أن العادات آنذاك ألجأته إلى بني مخزوم لعقد الحِلف فحالف أبا حذيفة بن المغيرة المخزومي، وعاش في كنفه، ثم ما لبث أن زوّجه بأمةٍ له سُميّة بنت خُباط، فولدت له عمّارًا، فأعتقه أبو حذيفة.

وابتدأت رحلة الإيمان مع الأسرة الياسرية، عندما أرسل الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بدعوة أبيه إبراهيم، بدين الإسلام الذي رضيه الله لِعباده من لدن ءادم حتى يرث الله الأرض ومن عليها. فأسلم عمّار وأبواه، وبذلك ارتفعت ثلاث دعائم متينة للإسلام، وفُتحت في التاريخ صفحة ناصعة ليسجل صبر هذه الأسرة الياسرية العظيمة.

في تلك الأثناء، كانت سمية بنت خبّاط أمَّا بسيطة الشأن، مغمورة، تقوم على خدمة سيدها أبي حذيفة بن المغيرة المخزومي، بل لم يكن لها من ذكر في مكة كلها، فقد كانت امرأة كبيرة طاعنة في السن، غير أنها كانت راجحة العقل.

أسلمت سمية وصدّقت بالنبي صلى الله عليه وسلم، وكانت في مقدمة المؤمنات، فكانت كما ورد عنها في “سير أعلام النبلاء” (إنها من كبار الصحابيّات) .

فقد تحدّث المشركون في إظهار إيمانها، وكان رقمها في سجل الإيمان –السابع- كما ذكر ابن الأثير في أسد الغابة حيث قال: “كانت سابع سبعة في الإسلام، وكانت ممن يعذّب في الله عزّ وجل أشدّ العذاب”

الصابرة المحتسبة

قلمّا يذكر تاريخ نساء المسلمين امرأة صبرت كسُمية أم عمّار رضي الله عنها، فقد كان الصبر شعارًا لها رغم كبر سنها، وضعف جسمها. فقد تحملت عذاب القلوب القاسية قسوة الحجارة، بل إنّ من الحجارة ما يتفجّر منه الماء، ولكن الحقد والغيظ اشتدّ بمشركي قريش فلم يقدروا إلا على الضعفاء الذين قالوا ءامنّا بالله، وممّا شجّع المشركين على عذاب المستضعفين أنّ هؤلاء ليس لهم قبائل تمنعهم أو تحميهم، فتفنّنوا في وسائل تعذيبهم.

فقد ذكر ابن كثير في البداية والنهاية نقلا عن ابن اسحق قال: كانت بنو مخزوم يخرجون بعمار ابن ياسر وبأبيه وأمه إذا حميت الظهيرة، يعذّبونهم برمضاء مكة، فيمرّ بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: “صبرًا ءال ياسر فإن موعدكم الجنّة”.وروى البيهقي رحمه الله بسنده عن سيدنا جابر بن عبد الله أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ بِعمّار وأهله وهم يُعذّبون فقال: “أبشروا ءال عمّار وءال ياسر فإن موعدكم الجنة”.

الأسرة المتحدِّية

لا يستطيع الإنسان إلا أن يقف وقفة إعجاب أمام هذه الأسرة الياسرية العظيمة، هذه الأسرة الكريمة التي يُسّرت لليُسرى، فمزّقت السِياط أجسامها، إلا أن إيمانها الوثيق بالله بات كالجبل الراسي لا تؤثر فيه الأمواج ولا الرياح العاتية، فأثارت مشركي مكة وأخرجت حلماءها عن طَورهم، فبُهتوا من صبر هذه الأسرة التي لم يرُدها عن عقيدتها الحقّة تعب ولا نَصَب ولا رمضاء ولا عطش.

كل هذا ليردّوا هذه الأسرة عن دينها، ولكن الأسرة الياسرية كانت تزداد صلابة وإيمانًا وتسليمًا خصوصًا بعدما اطمأنت إلى دعاء نبي الله صلى الله عليه وسلم لهذه الأسرة كلها بالمغفرة.

وكان ياسر زوج سمية استُشهد في الثلة الأولى من شهداء المؤمنين، تحت وطأة العذاب بأيدي المشركين، وذكر أحمد بن زيني دحلان في السيرة النبوية أن بطلة الشهداء سمية أُعطيت لأبي جهل المشرك، أعطاها له عمّه أبو حذيفة بن المغيرة وكانت عجوزًا كبيرة، ولكنها تحمّلت ما لا يتحمّله الأشدّاء، وأخذ أبو جهل أخزاه الله يفرغ حقده في تعذيبها رجاء أن تُفتن في دينها، ولكن أنّى له ذلك فقد ركنت سمية إلى الصمت ولم تُجبه بحرف واحد، وفطرت قلبه لرفضها ذِكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوء ولو بكلمة واحدة قام أبو جهل وطعنها بحربة في قُبُلها فماتت شهيدة، واستعلت بعقيدتها على أبي جهل لعنه الله ومن معه، ورضيت بذلك، وكان استشهادها رضي الله عنها في السنة السادسة وقيل السابعة من البعثة.

روى ابن كثير في البداية والنهاية عن مجاهد قال: أول شهيدة كانت في الإسلام أم عمّار سمية، طعنها أبو جهل بحربة في قُبُلِها.

فقد ذكر الفيروز ءابادي صاحب القاموس أن سُمية تعني الجبل، وهذا من الموافقات إذ ثبتت سمية في وجه المشركين ثبات الجبل على ظهر الفلاة. ولم تمضِ بضعة أعوام حتى قُتل عدو الله أبو جهل بأيدي المسلمين في بدر. وزفّ النبي صلى الله عليه وسلم بِشارة مقتله لعمّار بن سمية رضي الله عنهما فقال له: “قتل الله قاتل أمّك”.

سُمية، هذا الجبل العظيم الثابت، اسم لهذه الصحابية العظيمة التي بقيت ذكراها حية عاطرة بعد أن أكرمها الله بالشهادة ففازت برضوانه، فقد كان النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يقول لابنها عمّار “ابن سمية” ولا يخفى ما في هذه التسمية المباركة من تكريم لهذه المرأة الصابرة المحتسبة، وكثيرًا ما تردد هذا الاسم على لسان النبي العظيم صلى الله عليه وسلم.

روى في سِيَر أعلام النبلاء عن الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إِذَا اخْتَلَفَ النَّاسُ، كَانَ ابْنُ سُمَيَّةَ مَعَ الحَقِّ). وفي موضع ءاخر يرِد اسم سمية على لسان النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أخرج الإمام أحمد رضي الله عنه عن عبد الله بن مسعود حيث قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (مَا خُيِّرَ ابْنُ سُمَيَّةَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلاَّ اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا). وروى ابن عبد البرّ في الاستيعاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا لسُمية وأسرتها دعاءًا مباركًا عندما جاءه عمار يشكو ما تلاقيه أمه، وما يلاقي هو ووالده من شدّة عذاب المشركين لهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “صبرًا أبا اليقظان(كنية عمّار) اللهم لا تُعذّب أحدًا من ءال ياسر بالنار”.

رضي الله عن سُميّة أم عمار، أول شهيدة بعد البعثة المحمديّة، وأمّ أول من بنى مسجدًا يصلى فيه (كما ذكر ابن الجوزي في المجتبى)  والسلام على هذه الأسرة الياسرية المباركة.

أضف تعليق