بسم الله الرحمن الرحيم
عاشوراء
انتصار الإمام الشهيد أبي عبد الله الحسين في عاشوراء
الحمد لله الذي لا يحويه مكان، ولا يجري عليه زمان، لا يفنى ولا يبيد، ولا يكون إلا ما يريد. الحمد لله الأول بلا بداية، والآخر بلا نهاية، الظاهر فليس فوقه شىء، والباطن فليس دونه شىء، من [لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ] {الشُّورى:11}
الحمد لله الذي جعل لهذا الدين رجالا لنصرته والدفاع عنه، الأرواح يبذلون، واللهِ ما خابوا، ففي عزهم وفضلهم كتابُ الله يتلى [بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ] {آل عمران:169}
والصلاة والسلام على جد الحسنين، أبي الزهراء قرة العين، وعلى ءاله الأطهار من كل رجس وشين. أما بعد،
عباد الله، نستذكر معا في العاشر من محرم، مصابا عظيما، ألـمَّ بهذه الأمة، ألا وهو استشهاد حِب رسول لله وريحانته من الدنيا، سيدنا الشهيد السعيد أبي عبد الله الحسين عليه السلام.
ولكن فليعلم أنّ ما حصل لسيدنا الحسين عليه السلام هو سنة الله في الدعاة إلى دينه، فهذا سيدنا نوح عليه السلام يدعو قومه إلى ما فيه خيرهم وصلاح دنياهم وءاخرتهم، يدعوهم إلى عبادة الله الواحد، وترْكِ إلاشراك به تسعمائة وخمسين سنة، فيُضرب بالحجارة ويُشدخُ رأسُه بالصخر حتى يحمل مغشيا عليه ولا يؤمنُ به إلا نحو ثمانين شخصا، وسيدنا إبراهيم عليه السلام يرمى في النيران، والنار تكون بردا وسلاما عليه، ويحيى عليه السلام يُقطع رأسه، وزكريا عليه السلام يُنشر بالمنشار، وموسى يَكيد له الطاغيةُ فرعون وينكِّلُ بمن ءامن به، وسيدنا عيسى عليه السلام يريدون صلبه على الألواح، [وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ] {النساء:157}، وها هو خير الخلق محمد صلى الله عليه وءاله وسلم يُبعث في قوم يعبدون الأصنام والأوثان وتلهو بهم الشياطين، فيدُلّـهم على ما فيه فلاحهم وخلاصهم من غياهب الجهل ويقول لهم “ قولوا لا إله إلا الله تفلحوا” فيُرمى بالحجارة حتى يسيلَ الدم من قدميه الطاهرتين، ويقول سيدنا محمد صلى الله عليه وءاله وسلم “اللهم إن لم يكن بك سخط عليَّ فلا أبالي “، ويُقتل ءالُ ياسر لإيمانهم بمحمد، وبلال يُضرب وسط الصحراء ويُوضَعُ الصخرُ على صدره وهو يقول: ” أحد أحد” فيقول له المشركون ” ألا تعرف غير هذه الكلمة ” فيجيبهم بقلب ثابت: ” لو كنتُ أعرفُ كلمةً تغيظكم أكثر منها كنتُ قلتها ” وذلك لما فيها من توحيد الله وتنزيهه عن الشريك والشبيه والمثيل والند والنظير، ويخرج المؤمنون من ديارهم، وتُدَك بيوتهم وتُسلَب أموالهم، وفي غزوة أحد، يُقتل عمُّ رسول الله سيدُ الشهداء حمزة بن عبد المطلب صياد الأسود ويُقتلَعُ كبدُه من جسده.
نعم إنها سنةُ الله في الدعاة إلى دينه، وفي هذا المقام لا بد من التنبيه إلى أمر عظيم، ألا وهو أنّ من ناصر الحقَّ، وكان في صفِّه ومعه هو المنصور حقا، وإن ظُلِم وقتل، وإن نُكل به ولو قُطّعَ أجزاءً صغيرة، فهو الرابح الفائز على الحقيقة، وأنّ مَن جانبَ الحقّ وعادى أهلَه هو الخاسر المخذول، بعض الناس يقولون إن النبي محمدا صلى الله عليه وسلم فاز في كل المعارك إلا في معركة أحد، والحقُّ أنه الفائزُ المنصورُ في كل المعارك حتى في أُحد، بل خسر من خالف أمره.
ومن هنا نقول أيضا إن أبا عبد الله الحسين عليه السلام ما خرج إلا ليطلب الإصلاح في أمة جده رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يخرج أشرا ولا بطرا، فقُتِل عليه السلام مظلوما، ومنعوه أن يرِدَ الماءَ فيمن ورد، وأن يرحل عنهم إلى بلد، وسبَوا أهلَه وقتلُوا الولد.
إنه الحسينُ، إنه الحسينُ الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مِنْ حبِّه يُقبِّلُ شفتيه، ويحملُه كثيرا على عاتقيه، فلو رءاه مُلقًى على أَحَدِ جانبيه، والسيوفُ تأخذُه، والأعداء حواليه، والخيل قد وطئت صدرَه، ومشت على يديه، ودماؤه تجري بعدَ دموعِ عينيه، لغضب الرسولُ من ذلك ولعزَّ عليه.
إنه الحسين الذي ورد فيه أن ملَكَ القطر (أي المطر) استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ” يا أم سلمة احفظي علينا الباب لا يدخلْ علينا أحد، فجاء الحسينُ فاقتحمَ البابَ وجعلَ يتوثَّبُ على النبيّ صلى الله عليه وسلم، ورسول الله يُقبِّله، فقال الملَكُ: أتحبُّه، قال: نعم، قال: إنّ أمتكَ ستقتلُه وإن شئتَ أريتُك المكانَ الذي يُقتل فيه، قال: نعم، فجاء بتراب أحمر، مدَّ هذا الملكُ يدَه إلى كربلاء، وأحضر شيئا من ترابها، فأراهُ للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم أخذت أمُّ سلمة هذا التراب، فصرَّتْه في صُرَّةٍ من أجل أن تتبركَ بترابٍ مسَّه الملَكُ.
إنه الحسين، إنه الحسينُ الذي حينما استُشهدَ كانوا لا يرفعون حجرا إلا ووجدوا تحته دما، وبكتْ عليه الملائكةُ بكاء حقيقيا، ولقد قيل في الحسين عليه السلام:
مسَحَ النبيُّ جبينَهُ فَلهُ بريقٌ في الخُدودِ
أبواهُ من عَلْيَا قريشٍ وجدُّهُ خيرُ الجــــدودِ
ولما وُضِعَ رأسُه الشريفُ بين يدي يزيد، يقال إنه جعل يَنْكُتُ بقضيب كان في يده في ثَغرهِ، فقال له أبو بَرزة الأسلمي: والذي لا إله إلا هو لقد رأيتُ شفتَيْ رسولِ الله على هاتين الشفتين يُقبِّلُهما، ثم قام من مجلسه وانصرف.
نعم انتصر الحسين ومن معه، وخاب من ظلمه وانصرف.
أيرجو معشرٌ قتلوا حُسينًا شفاعةَ جدِّه يومَ الحسابِ
إنا لله وإنا إليه راجعون.