عيد الأضحى

عيد الأضحى

العيد هو موسم الفرح والسرور، وأفراح المؤمنين وسرورهم في الدنيا إذا فازوا بإكمال طاعة مولاهم وحازوا ثواب أعمالهم بوثوقهم بوعده لهم عليها بفضله ومغفرته كما قال تعالى: [قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ] {يونس:58}  

 عن أنس بن مالك ‏‏‏قال: كَانَ لأَهْلِ الْجَاهِلِيّةِ يَوْمَانِ فِي كُلّ سَنَةٍ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا فَلَمّا قَدِمَ النّبِـيّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ، قَالَ: كَانَ لَكُمْ يَوْمانِ تَلْعَبُونَ فِيهِمَا وَقَدْ أَبْدَلَكُمُ اللّهُ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ الأَضْحَى. ‏‏رواه أبو داود والنسائي وأحمد وغيرهم .

  فأبدل الله هذه الأمة بيومي اللعب واللهو يومي الذكر والشكر والمغفرة والعفو.

ففي الدنيا للمؤمنين ثلاثة أعياد، عيد يتكرر كل أسبوع وعيدان يأتيان في كل عام مرة مرة من غير تكرر في السنة .

فأما العيد المتكرر فهو يوم الجمعة وهو عيد الأسبوع وهو مترتب على إكمال الصلوات المكتوبات فإن الله فرض على المؤمنين في كل يوم وليلة خمس صلوات وهو اليوم الذي كمل فيه الخلق وفيه خلق آدم وأدخل الجنة وأخرج منها وفيه ينتهي أمد الدنيا فتزول وتقوم الساعة. وفي موطأ مالك قال رسول الله ‏‏صلى الله عليه وسلم:خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ أُهْبِطَ مِنْ الْجَنَّةِ وَفِيهِ تِيبَ عَلَيْهِ وَفِيهِ مَاتَ وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا وَهِيَ مُصِيخَةٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ حِينِ تُصْبِحُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ شَفَقًا مِنْ السَّاعَةِ إِلَّا الْجِنَّ وَالْإِنْسَ وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ‏‏ “.

وفيه الاجتماع على سماع الذكر والموعظة وصلاة الجمعة وجعل ذلك لهم عيدا ولهذا نهي عن إفراده بالصيام. ففي الحديث أن النبي ‏‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول:لَا يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَّا يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ. رواه الشيخان واللفظ للبخاري .

وشهود الجمعة يوجب تكفير الذنوب إلى الجمعة الأخرى إذا سلم ما بين الجمعتين من الكبائر‏ ففي صحيح مسلم أن رسول الله ‏‏صلى الله عليه وسلم ‏قال:الصَّلاَةُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ، كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ، مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ.

وفي الحديث الصحيح في مسلم ‏أن النبي ‏صلى الله عليه وسلم ‏‏قال:  خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيْهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيْه أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَفِيْهِ أُخْرِجَ مِنْهَا، وَلاَ تَقُومُ السَّاعَةُ إِلاَّ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ.

وأما العيدان اللذان لا يتكرران في كل عام وإنما يأتي كل واحد منهما في العام مرة واحدة فأحدهما عيد الفطر من صوم رمضان وهو مرتب على إكمال صيام رمضان فإذا استكمل المسلمون صيام شهرهم المفروض عليهم واستوجبوا من الله المغفرة والعتق من النار فشرع الله تعالى لهم عقيب إكمالهم لصيامهم عيدا يجتمعون فيه على شكر الله وذكره وتكبيره على ما هداهم له وشرع لهم في ذلك العيد الصلاة والصدقة.

والعيد الثاني: عيد النحر عيد الأضحى وهو أكبر العيدين وأفضلهما وهو مترتب على إكمال الحج فإذا أكمل المسلمون حجهم غفر لهم، وإنما يكمل الحج بيوم عرفة، ويوم عرفة هو يوم العتق من النار من وقف بعرفة ومن لم يقف بها من أهل الأمصار من المسلمين، فلذلك صار اليوم  الذي يليه عيدا لجميع المسلمين في جميع أمصارهم وشرع للجميع التقرب إليه بالنسك وهو إراقة دماء القرابين.

 وفي صحيحي البخاري ومسلم ‏‏عن ‏أبي سعيد الخدري ‏‏رضي الله عنه ‏‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏‏ نَهَىَ عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ: يَوْمِ الأَضْحَىَ وَيَوْمِ الْفِطْرِ‏. ورواه أبو داود والترمذي أيضا .

وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل شكره لربه على إعطائه الكوثر أن يصلي لربه وينحر وقيل له:” ‏ [قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ العَالَمِينَ] {الأنعام:162}  

ولهذا ورد الأمر بتلاوة هذه الآية عند ذبح الأضاحي، والأضاحي سنة إبراهيم عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم، فإن الله شرعها لإبراهيم حين فدى ولده الذي أمره بذبحه، بذبح عظيم، وفي حديث ‏‏زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ ‏‏قَالَ:‏ قَالَ ‏‏أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ‏‏يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذِهِ الأضَاحِيُّ قَالَ: سُنَّةُ أَبِيكُمْ ‏‏إِبْرَاهِيمَ ‏قَالُوا: فَمَا لَنَا فِيهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: بِكُلِّ شَعَرَةٍ حَسَنَةٌ، قَالُوا: فَالصُّوفُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: بِكُلِّ شَعَرَةٍ مِنْ الصُّوفِ حَسَنَةٌ.خرجه ابن ماجه وأحمد.

فهذه أعياد المسلمين في الدنيا وكلها عند إكمال طاعة مولاهم الملك الوهاب وحيازتهم لما وعدهم من الأجر والثواب.

هذا وقد قال بعض الصالحين: ليس العيد لمن لبس الجديد وإنما العيد لمن طاعاته تزيد، وقال بعضهم: ليس العيد لمن تجمل باللباس والركوب إنما العيد لمن غفرت له الذنوب. قال الحسن: كل يوم لايعصى الله فيه فهو عيد، كل يوم يقطعه المؤمن في طاعة مولاه وذكره وشكره فهو له عيد.

وقد يجتمع في يوم واحد عيدان كما إذا اجتمع يوم الجمعة مع يوم عرفة أو يوم النحر فيزداد ذلك اليوم حرمة وفضلا لاجتماع عيدين فيه، وقد كان ذلك اجتمع للنبي صلى الله عليه وسلم في حجته يوم عرفة فكان يوم الجمعة وفيه نزلت هذه الآية:” اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا.

أضف تعليق