فضل يوم عرفة
في الصحيحين – واللفظ للبخاري - عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلا من اليهود، قال له يا أمير المؤمنين: آيةٌ في كتابكم تقرءونها لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا، قال: أي آية، قال: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا، قال عمر: قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائمٌ بعرفة يوم جمعة.
فيوم عرفة له فضائل متعددة:
منها: أنه يوم إكمال الدين وإتمام النعمة.
ومنها: أنه عيد لأهل الإسلام كما قاله عمر بن الخطاب وابن عباس رضي الله عنهم، فإن ابن عباس قال: نزلت في يوم عيدين يوم جمعة ويوم عرفة، وروي عن عمر أنه قال: وكلاهما بحمد الله لنا عيد. خرجه ابن جرير في تفسيره.
ومنها: أنه روي أنه أفضل الأيام، خرجه ابن حبان في صحيحه من حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أفضل الأيام يوم عرفة.
ومنها: أنه يوم مغفرة من الذنوب والتجاوز عنها والعتق من النار والمباهاة بأهل الموقف كما في صحيح مسلم قالت عائشة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء.
يقول النووي في شرح مسلم: قال القاضي عياض: قال المازري: معنى ( يدنو ) في هذا الحديث: أي تدنو رحمته وكرامته، لا دنو مسافة ومماسة. قال القاضي: يتأول فيه ما سبق في حديث النـزول إلى السماء الدنيا، كما جاء في الحديث الآخر: من غيظ الشيطان يوم عرفة لما يرى من تنـزل الرحمة، قال القاضي: وقد يريد دنو الملائكة إلى الأرض أو إلى السماء بما ينـزل معهم من الرحمة ومباهاة الملائكة بهم عن أمره سبحانه وتعالى. اهـ
وخرج مالك في الموطأ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما رئي الشيطان يوما هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه في يوم عرفة وما ذاك إلا لما رأى من تنـزل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام إلا ما أري يوم بدر، قيل: وما رأى يوم بدر يا رسول الله، قال: أما إنه قد رأى جبريل يزع الملائكة. (أي يصف الملائكة للقتال)
فمن طمع في العتق من النار ومغفرة ذنوبه في يوم عرفة فليحافظ على الأسباب التي يرجى بها العتق والمغفرة.
فمنها: صيام ذلك اليوم، ففي صحيح مسلم عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده. وفي لفظ في مسلم عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه قال: وسئل -أي رسول الله- عن صوم يوم عرفة، فقال، يكفر السنة الماضية والباقية.
وأما بالنسبة للحاج فلا يصوم، فقد ثبت في الصحيح أن رسول الله وقف مفطرا، وفي الحديث الذي رواه الحاكم وصححه على شرط البخاري ووافقه الذهبي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة. ورواه أبو داود وغيره.
وفي سنن الترمذي: عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أفطر بعرفة، وأرسلت إليه أم الفضل بلبن فشرب، وفي الباب عن أبي هريرة وابن عمر وأم الفضل، قال أبو عيسى: حديث ابن عباس حديثٌ حسنٌ صحيحٌ .
وقد روي عن ابن عمر قال: حججت مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يصمه يعني يوم عرفة ومع أبي بكر فلم يصمه ومع عمر فلم يصمه ومع عثمان فلم يصمه، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم يستحبون الإفطار بعرفة ليتقوى به الرجل على الدعاء ا.هـ
فرع في التعريف بغير عرفات =
وهذا هو الاجتماع المعروف في بعض البلدان، فقد جاء عن جماعة من العلماء استحبابه وفعله، فقد روي عن الحسن البصري أنه قال: أول من صنع ذلك ابن عباس رضي الله عنهما. وقال الأثرم: سألت أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى عن التعريف في الأمصار، فقال: أرجو أن لا يكون به بأس. وقد فعله غير واحد، الحسن وبكر وثابت ومحمد بن واسع، كانوا يشهدون المسجد عشية يوم عرفة.
ومنها: حفظ جوارحه عن المحرمات في ذلك اليوم
ففي مسند الإمام أحمد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال عن يوم عرفة: إن هذا يومٌ من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غفر له.
ومنها: الإكثار من شهادة التوحيد بإخلاص وصدق فإنها أصل دين الإسلام الذي أكمله الله تعالى في ذلك اليوم وأساسه.
فقد روى الترمذي وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قديرٌ.
وفي موطأ مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
ومنها: كثرة الدعاء بالمغفرة والعتق فإنه يرجى إجابة الدعاء فيه، فليكثر فيه من قول: اللهم أعتق رقبتي من النار وأوسع لي من الرزق الحلال واصرف عني فسقة الجن والإنس.
وليحذر من هذه الذنوب:
– الاختيال: فقد قال الله تعالى:” والله لا يحب كل مختال فخور ” سورة الحديد 23 . والمختال هو المتعاظم في نفسه المتكبر.
– والكبائر.
ومن كرمت عليه نفسه هان عليه كل ما يبذل في افتكاكها من النار.