قصة الجارية وعزة نفسها

قصة الجارية وعزة نفسها

طبقات الشافعية للتاج السبكي رحمة الله عليه وعلى والده الإمام تقي الدين السبكي،،،

قال الحاكم أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو بكر محمد بن داود بن سليمان الزاهد، حدثنا محمد بن مكي بن أحمد بن ماهان البلخي قدم نيسابور حاجاً، حدثنا العباس أحمد بن العباس بن عيسى من ولد عبد الله بن رواحة صاحب رسول الله، حدثنا الحسن بن مالك الخزاعي قال سمعت أبا حسان العباسي يقول:

وقفت علينا جارية ونحن بالربذة وعلى وجهها برقع فقالت: يا معشر الحجيج نفر من عكل ذهب بنعيمهم السيل وشرست عليهم الأيام جدباً جدبا حتى ما بهم قعدة ولا نعجة فمن يراقب فيهم الدار الآخرة ويعرف لهم حق الآصرة جزي خيرا،

قال فرضخنا لها وقلنا لها هل قلت في سوء حالكم شعرا ؟
قالت: نعم ، ثم أنشأت تقول:

كف الزمان عليها الصبر والصاب / شلت أناملها عن الأعراب
قوم إذا لجأ العفاة إليهم / أعطوا نوافلهم بغير حساب

قلت فأمتعينا بالنظر إلى وجهك! فكشفت البرقع عن وجه لا تهتدي القلوب لحسن وصفها، ثم أنشأت تقول:

الدهر أبدى صفحة قد صانها / أبواي قبل تغير الأيام
فتمتعوا بعيونكم في حسنها / وانهوا جوارحكم عن الآثام

فكان شعرها مما زادني فيها رغبة، فقلت: ويحك هل لك فيمن يغنيك ويغني حيك؟
فقالت: والله ما نحن أكثر من خمسة نفر أنا وأم وأختان وأخ لم ييفع بعد وفي رزق الله لجميع خلقه غنى عن اتباعه ببيع الأنفس،
قلت: ويحك هذا التزويج الذي أحله الله وأنا ابن عم نبي الله ومالي لا يضبطه الحساب كثرة،
قالت: إن في جمالك غنى عن مالك وإن فيها بعدا لنهاية الأمل ولكن لست ممن يضمهن إلى الرجال الجمال وكثرة المال،
قلت: فنصيبك يخلصك من الفقر الذي أنتم فيه،
قالت: والله لأكل القديد أهون من الانخفاض لمن يمن بماله على من ليس له مثل حاله وما لي لا أكون كالزباء بنت عمير بن المورق قيل لها لو تزوجت في عنفوان شبابك وصفو جمالك لعلمت لذة الحياة قالت والله لأعيش في غير بدني لم تملكني يد ذي مال ولا صرعتني الرغبة في الرجال أحب إلي من ملك الأرض وخزائن الخلق، ثم أنشأت تقول:

أمِن بعد أن أمسي وأصبح حرة / وليس علي للرجال يدان
أصيرُ لزوج مثل مملوكةٍ له / لبئس إذاً ما يكتب الملكان
لعيشٍ بضرٍ أو بضنكٍ وحاجةٍ / مع العزِّ خيرٌ من صروف لسان

 

فثكلتني أمي إن لم أكن مثلها في عز النفس وكرم الخيم!

قال: فقلت ما ظننت أن امرأة من الأرض ترغب عن الرجال!!
قالت: بأبي وأمي فاجعل ظنك يقينا فوالذي خلقني لقد خطبني عشرة نفر ما منهم دونك في الحسن والجمال وحسن الخلق فما مالت نفسي إلى واحد منهم رغبة مني عن ذلك النتاج وتسلط الأزواج.
ثم ولّت كأن لم يكن بيني وبينها كلام

أضف تعليق