فصل الخطاب في مسئلة النقاب

فصل الخطاب في مسئلة النقاب

الحمد لله وصلى الله وسلم على سيدنا رسول الله وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين ، أما بعد :

فهذه فائدة مهمة فيها بيان حكم شرعي اتفق عليه المجتهدون ولا خلاف فيه بينهم وتناقله العلماء خلفا عن سلف ألا وهو :

جواز خروج المرأة كاشفة الوجه وأن على الرجال غض البصر ،

“يعني إن خرجت المرأة ساترة جميع البدن سوى الوجه والكفين “

فقد نقل اجماع الامة المحمدية على ذلك جمع كبير من العلماء منهم الامام المجتهد ابن جرير الطبري في تفسيره والقاضي عياض المالكي في الاكمال وإمام الحرمين الجويني والقفال الشاشي والامام الرازي بل نقل ابن حجر الهيتمي عن جمع من العلماء الإجماع .

يقول الله تعالى : ( وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) قالت السيدة عائشة والامام عبد الله بن عباس رضي الله عنهم : إلا ما ظهر منها : الوجه والكفان ومثل ذلك قال الامام أحمد .

ومما يدل على ذلك حديث المرأة الخثعمية الذي أخرجه البخاري ومسلم ومالك وأبو داود والنسائي والدارمي وأحمد من طريق ‏عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاسٍ ‏ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ‏ ‏قَالَ ‏ – واللفظ للبخاري-

‏ أَرْدَفَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ ‏ ‏يَوْمَ النَّحْرِ خَلْفَهُ عَلَى عَجُزِ رَاحِلَتِهِ وَكَانَ ‏ ‏الْفَضْلُ ‏ ‏رَجُلًا وَضِيئًا فَوَقَفَ النَّبِيُّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏لِلنَّاسِ يُفْتِيهِمْ وَأَقْبَلَتْ امْرَأَةٌ مِنْ ‏ ‏خَثْعَمَ ‏ ‏وَضِيئَةٌ تَسْتَفْتِي رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فَطَفِقَ ‏ ‏الْفَضْلُ ‏ ‏يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَأَعْجَبَهُ حُسْنُهَا فَالْتَفَتَ النَّبِيُّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏وَالْفَضْلُ ‏ ‏يَنْظُرُ إِلَيْهَا فَأَخْلَفَ بِيَدِهِ فَأَخَذَ بِذَقَنِ ‏ ‏الْفَضْلِ ‏ ‏فَعَدَلَ وَجْهَهُ عَنْ النَّظَرِ إِلَيْهَا فَقَالَتْ ‏ ‏يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ فِي الْحَجِّ عَلَى عِبَادِهِ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَهَلْ يَقْضِي عَنْهُ أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ قَالَ نَعَمْ .

وعند الترمذي من حديث علي : وَاسْتَفْتَتْهُ جَارِيَةٌ شَابَّةٌ مِنْ ‏ ‏خَثْعَمٍ ‏ ‏فَقَالَتْ إِنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ قَدْ أَدْرَكَتْهُ فَرِيضَةُ اللَّهِ فِي الْحَجِّ أَفَيُجْزِئُ أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ قَالَ حُجِّي عَنْ أَبِيكِ قَالَ وَلَوَى عُنُقَ ‏ ‏الْفَضْلِ ‏ ‏فَقَالَ ‏ ‏الْعَبَّاسُ ‏ ‏يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ لَوَيْتَ عُنُقَ ابْنِ عَمِّكَ قَالَ رَأَيْتُ شَابًّا وَشَابَّةً فَلَمْ آمَنْ الشَّيْطَانَ عَلَيْهِمَا .

وقال الترمذي: ‏ ‏ ‏حَدِيثُ ‏ ‏عَلِيٍّ ‏ ‏حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ

قال ابن عباس : ” وكان ذلك بعد ءاية الحجاب ” ا.هـ

ووجه الدليل من هذا الحديث انه عليه الصلاة والسلام لم يقل لهذه المرأة الشابة الجميلة غطي وجهك .

وقد يقول قائل : هي كانت محرمة، قلنا : لو كان واجبا لأمرها أن تسدل شيئا على وجهها مع المجافاة لمراعاة مصلحة الاحرام ، ولكن لم يأمرها ، فدل ذلك على عدم وجوب تغطية الوجه للمرأة ، ولكنه شىء حسن مستحب .

وقد أجمع العلماء على أن المرأة يكره لها ستر وجهها والتنقب في الصلاة وعلى حرمته في الاحرام .

وأما وجوب تغطية الوجه على النساء فخاص بنساء الرسول صلى الله عليه وسلم كما قال أبو داود وغيره .

روى أبو داود عَنْ ‏ ‏أُمِّ سَلَمَةَ ‏ ‏قَالَتْ ‏
‏كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏وَعِنْدَهُ ‏ ‏مَيْمُونَةُ ‏ ‏فَأَقْبَلَ ‏ ‏ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ ‏ ‏وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ أُمِرْنَا بِالْحِجَابِ فَقَالَ النَّبِيُّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏ احْتَجِبَا مِنْهُ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسَ أَعْمَى لَا يُبْصِرُنَا وَلَا يَعْرِفُنَا فَقَالَ النَّبِيُّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏ أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا أَلَسْتُمَا تُبْصِرَانِهِ ‏ .
‏قَالَ ‏ ‏أَبُو دَاوُد ‏ ‏هَذَا لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏خَاصَّةً أَلَا ‏ ‏تَرَى إِلَى اعْتِدَادِ ‏ ‏فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ ‏ ‏عِنْدَ ‏ ‏ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ ‏ ‏قَدْ قَالَ النَّبِيُّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ ‏ ‏اعْتَدِّي عِنْدَ ‏ ‏ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ ‏ ‏فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَكِ عِنْدَهُ .

قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير ما نصه : ” وقال أبو داود : هذا لازواج النبي خاصة بدليل حديث فاطمة بنت قيس . قلت : وهذا جمع حسن وبه جمع المنذري في حواشيه واستحسنه شيخنا. ” ا.هـ

مراده بذلك أن قول النبي خطابا لزوجتيه :” احْتَجِبَا مِنْهُ ” حين دخل ابن ام مكتوم ، مختص بنساء الرسول جمعا بينه وبين حديث فاطمة بنت قيس الذي فيه انه عليه الصلاة والسلام قال لها : ” اعْتَدِّي عِنْدَ ‏ ‏ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ ‏ ‏فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَكِ عِنْدَهُ ” .

‏ ففرق رسول الله الحكم بين نسائه وبين غيرهن، وحديث فاطمة بنت قيس رواه مسلم ، أما حديث ” احْتَجِبَا مِنْهُ ” رواه أبو داود .

وقال ابو القاسم العبدري صاحب التاج والاكليل بشرح مختصر خليل : ولا خلاف أن فرض ستر الوجه مما اختص به ازواج النبي صلى الله عليه وسلم .

وأما قول الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا ) سورة الأحزاب / 59

فالله تعالى لم يقل يدنين على وجوههن بل ” عَلَيْهِنَّ ” هذه الاية يتفق معناها مع الاية الأخرى ( وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ) وأن مفاد الايتين ايجاب ستر العنق والنحر ،وانما جاءت هذه الآية للفرق بين الحرائر والإماء .كما قال الامام الحافظ المجتهد علي بن محمد بن القطان الفاسي في كتابه ” النظر في أحكام النظر ” وغيره.

وأما معنى الخمار فهو ما تغطي به المرأة رأسها ، والجيب هو رأس القميص الذي يلي العنق، وأما الجلباب فهو مستحب للمرأة وهو الملاءة التي تلتحف بها المرأة فوق ثيابها ويسمى عند بعض الناس بالشادور .

فالآية ( يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ) ليس فيه ايجاب تغطية الوجه بل المراد تغطية العنق به كما قال عكرمة إن معناه ستر ثغرة النحر لأن النساء قبل نزول ءاية الحجاب كن على ما كانت عليه نساء الجاهلية من وضع الخمار على الرأس وسدله الى الخلف فكانت اعناقهن بادية .

” ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ” ، أي الحرائر ، أقرب للسلامة من أذى السفهاء اذا تميزت عن الاماء ، لان الفساق كانوا يتعرضون للحرائر إن ظنوهن إماء، ففي ستر الحرة رأسها وعنقها سلامة من تعرض الفساق لهن لانه حصلت علامة فارقة ، والاماء ليس عليهن ستر العنق والرأس إذا خرجن .

والله أعلم وأحكم

أضف تعليق