كتاب الدرة الوضية في توحيد رب البرية 9

ذكر البيهقي في الأسماء والصفات في باب ما جاء في العرش فقال: واستدل بعض أصحابنا في نفي المكان عنه بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء) وإذا لم يكن فوقه شيء ولا دونه شيء لم يكن في مكان” اهـ.

(27) قد ثبت وجوبُ قِدَمِه تعالى وبقائه فانتفى عنه أن يكون صفة بل هو ذات موصوف بالصفات: القدرة والعلم وسائر صفاته. فلو كان صفة لزم أن يكون قدرة وإرادة وعلماً وكلاماً وحياة، وذلك ظاهر البطلان، إذ لا يعقل أن تكون القدرة هي السمع والبصر والحياة. قال النسفي: “وهي لا هو ولا غيره” اهـ.

(28) وهو أحمد بن عيسى الخراز البغدادي (أبو سعيد) صوفي من أقران الجنيد. توفي سنة 279 هـ أنظر معجم المؤلفين 2 38.

(29) حديث صحيح رواه البخاري.

(30)   في تشنيف المسامع ما نصه: “فإن قيل وهل في العقل دليل أن صانع العالم واحد”؟ قيل: دلالة التمانع المشار إليه في قوله تعالى: { لو كان فيهما ءالهة إلا الله لفسدتا } واعلم أن الوحدة تطلق في حق الإله من ثلاثة أوجه

-أحدها بمعنى نفي الكثرة المصححة للقسمة عن ذاته وهي تفسير الأحد الصمد.

-الثاني بمعنى نفي النظير عنه في ذاته وصفاته كما يقال للشمس واحدة بمعنى أنه لا نظير لها في الوجود. ووجود نظير الرب محال.

-والثالث بمعنى أنه منفرد بالخلق والإيجاد والتدبير فلا مساهم له في اختراع المصنوعات وتدبير المخترَعا”.

(31)  ذكر الشيخ الحبشي في (الدليل القويم على الصراط المستقيم) ما نصه تحت عنوان دليل عقلي: “أنه لو كان فِعلُ العبدِ بخلقه لكان عالماً به على وجه الإحاطة ضرورة أنه مختار والاختيار فرع العلم، لكنه لا يحيط علماً بفعله لِما يجد كلُ عاقلٍ عدمَ علمه حالَ قطعِه لمسافةٍ معينة بالأجزاء والأحيان والحركات التي بين المبدأ والمنتهى.

وكذا حالة نُطقِهِ بالحروف يجدُ كلُ عاقلٍ من نفسه عدمَ العلم بالأعضاء التي هي ءالتها والمحالِّ التي فيها مواقعها وعدمَ العلم بهيئاتها وأوضاعها. وكل ذلك ظاهر قرره الماتريدي” اهـ.

(32) ذكر الشيخ الحبشي نقلاً عن الخطابي ما نصه: “يتوهم كثير من الناس أن معنى القدر من الله والقضاء منه الإجبارُ والقهرُ للعبد على ما قضاه وقدّره وليس كذلك، وإنما معناه الإخبار عن تقدُّمِ عِلمِ الله بما يكون من أفعال العباد واكتسابها وصدورها عن تقديرٍ منه وخلقِه لها خيرها وشرها” اهـ. وقد روى ابن حبان من حديث حذيفة أن

رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله صانعُ كلِ صانعٍ وصَنعتِه” فافهم رحمك الله.

(33) روى الإمام الشافعي والحافظ ابن عساكر عن عبد الله بن جعفر عن علي رضي الله عنه أنه قال للسائل عن القدر: ” سر الله فلا تتكلف ” فلما ألحّ عليه قال له: أما إذ أبيتَ فإنه أمر بين أمرين: لا جبر ولا تفويض.

(34) ذكر الزركشي في تشنيف المسامع ما نصه: إن الله فاعلٌ بالاختيار، فله تقديم الحادث وله تأخيره بحسب اختياره، والدليل عليه قوله تعالى: { وربُك يخلق ما يشاء } اهـ.

(35) قال أبو حنيفة في الفقه الأكبر: وجميع أفعال العباد من الحركة والسكون كسبُهُم على الحقيقة واللهُ خالقُها. اهـ

(36) هو أبو الحسن علي بن إسماعيل ابن أبي بشر إسحق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن بلال ابن أبي بردة ابن أبي موسى الأشعري. ولد في البصرة سنة 260 هـ وقيل سنة 266 هـ وتوفي سنة 324 هـ ودفن ببغداد.

(37) كتب الحسن بن علي إلى الحسن البصري: لو جبر الخلقَ على الطاعة لأسقط عنهم الثواب، ولو جبرهم على المعصية لأسقط عنهم العقاب، ولو أهملهم كان ذلك عجزاً في القدرة ولكن له فيهم المشيئة التي غيّبها عنهم. ذكره أبو نعيم في حليته.

(38) الحكم العقلي ينقسم إلى ثلاثة: الوجوب والاستحالة والجواز. فالواجب العقلي: ما لا يتصور في العقل عدمُه وهو الله تعالى وصفاته. والمستحيل العقلي: ما لا يتصور في العقل وجودُه كوجود الشريك لله. والجائز العقلي: ما يتصور في العقل وجودُه تارة وعدمه تارة أخرى كسائر المخلوقات.

(39) قال بعضهم: “كما لا يقال عن الحجر عالم ولا جاهل” اهـ. وذكر الأستاذ أبو اسحق الإسفراييني في كتابه [الترتيب في أصول الفقه]: “أن أول من أخِذَ منه معنى المحال وتحقيقه إدريس عليه السلام حيث جاءه إبليس في صورة إنسان وهو كان يخيط وفي كل دخلة وخرجة يقول سبحان الله والحمد لله؛ فجاءه بقشرة وقال:

الله تعالى يقدر أن يجعل الدنيا في هذه القشرة. فقال: الله تعالى قادر أن يجعل الدنيا في سم هذه الإبرة” ونخس بالإبرة في إحدى عينيه وجعله أعور. اهـ.

(40)  قال الشيخ عبد الله الحبشي في (الدليل القويم على الصراط المستقيم) الإرادة على وجهين: إرادة تكوين وإرادة محبة. فإرادة التكوين هي بمعنى المشيئة ومعناها التخصيص. وإرادة المحبة كقوله تعالى: { تريدون عرَضَ الحياة الدنيا والله يريد الآخرة } اهـ.

(41) روى أبو داود في سننه أن النبي صلى الله عليه وسلم علّم بعض بناته أن تقول: “ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن”.

(42) قال الإمام أبو منصور الماتريدي: [وقال أبو حنيفة رحمه الله: “بيننا وبين القدرية الكلام في حرفين: أن نسألهم هل علِمَ اللهُ ما يكون أبداً على ما يكون؟ فإن قالوا لا، كفروا لأنهم جهّلوا ربَهم. وإن قالوا نعم، قيل: شاء أن يَنفَذَ علمه كما علِمَ أولاً؟ فإن قالوا لا، قالوا بأن الله شاء أن يكون جاهلاً ومن شاء ذلك فليس بحكيم.

وإن قالوا نعم، أقروا بأنه شاء أن يكون كل شيء كما علم أن يكون”] انتهى كلامه ذكره في التأويلات. وذكر البيهقي في مناقب الشافعي بإسناده إلى الربيع المرادي: “سئل الشافعي عن القدر فقال:

ما شئتَ كان وإن لم أشأ … وما شئتُ إن لم تشأ لم يكنْ

خلقتَ العبادَ على ما علمتَ … ففي العلم يجري الفتى والمسِنّْ

على ذا مننتَ وهذا خذلتَ … وهذا أعنتَ وذا لم تُعِنْ

فمنهم شقيٌ ومنهم سعيد … وهذا قبيحٌ وهذا حسنْ

(43) ذكر أبو منصور الماتريدي في التأويلات في إثبات مغايرة الإرادة للأمر: إن الله أمر إبراهيم بالذبح وفداه بكبش فلا يجوز أن يكون أراد فعلَ حقيقة الذبح ثم يمنع عنه بالبدل لأنه ءاية البداء وعلامة الجهل، فكان الأمر لا بالذي به حقيقة الإرادة اهـ.

(44) قال الشيخ عبد الله الحبشي في (الدليل القويم على الصراط المستقيم) فإن قالوا كيف أمرَ اللهُ الكافرَ بالإيمان وشاء منه الكفرَ؟ قلنا كيف أمره بالإيمان وقد علم أنه سيكفر فإنه لا يؤمن أبد الدهر اهـ.

(45) ذكر الشيخ عبد الله الحبشي في (الدليل القويم على الصراط المستقيم) ما نصه: قد ثبت علمُ الله وقدرته بالبرهان. ومِن شرطِ العالم القادر أن يكون حياً فوضح وجوبُ الحياة له” اهـ.

(46) ودليل السمع والبصر الآيات والأحاديث كقوله تعالى: { وهو السميع البصير } وقوله صلى الله عليه وسلم في تعداد أسماء الله الحسنى (السميع البصير) وهو في حديث أخرجه الترمذي وحسنه. قال البيهقي في رد قول مَن يقول أن الله متكلم بمعنى خالق الكلام في غيره كالشجرة التي كان موسى عندها: “ولا يجوز أن

يكون كلامُ المتكلمِ قائماً بغيره ثم يكون هو به متكلما مكلما دون ذلك الغير. كما لا يجوز ذلك في العلم والسمع والبصر، وقال تعالى: { وما كان لبشرٍ أن يكلمَه اللهُ إلا وحيا أو مِن وراء حجاب أو يرسلَ رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء } فلو كان كلام الله لا يوجد إلا مخلوقاً في شيء مخلوق لم يكن لاشتراط هذه الوجوه معنى لاستواء جميع الخلق في

سماعه من غير الله ووجودهم ذلك عند الجهمية مخلوقاً في غير الله، وهذا يوجب إسقاط مرتبة النبيين صلوات الله عليهم أجمعين” اهـ.

(47) قال الإمام أبو حنيفة الذي هو من رؤوس السلف في الفقه الأبسط: ويتكلم لا ككلامنا. نحن نتكلم بالآلات من المخارج والحروف، واللهُ متكلم بلا ءالة ولا حرف. فصفاته غير مخلوقة ولا محدَثة، والتغير والاختلاف في الأحوال يحدث في المخلوقين. ومن قال أنها محدثة أو مخلوقة أو توقف فيها أو شك فيها فهو كافر” اهـ.

(48) قال الأشعري: “إن الله تعالى أسمعه الكلامَ القديمَ الذي ليس بحرف ولا صوت”. وقال الغزالي: “إنه سمع الكلامَ الذاتي بلا صوت ولا حرف كما يَرى ذاتَه بلا كمٍ ولا كيفٍ المؤمنون في الجنة”. وقال أبو حنيفة رضي الله عنه في كتاب العالم والمتعلم: “وخصه بكلامه إياه حيث لم يجعل بينه وبين موسى رسولاً”، وقال

أيضاً: “وسمع موسى كلامَ الله كما في قوله تعالى: { وكلّم اللهُ موسى تكليما } “. اهـ.

(49) قال أبو حنيفة في الفقه الأكبر والوصية: “والقرءان كلام الله غير مخلوق، ووحيه وتنزيله على رسول الله. وهو صفته على التحقيق مكتوب في المصاحف، مقروء بالألسنة، محفوظ في الصدور غير حالٍ فيها. والحبر والكاغد والكتابة والقراءة مخلوقة لأنها أفعال العباد. فمن قال بأن كلام الله مخلوق فهو كافر بالله العظيم”

اهـ.

(50)  ومن أوضح دليل على أن القرءان بمعنى اللفظ المنزل غير كلام الله الذاتي قولهُ تعالى: { يريدون أن يبَدّلوا كلامَ الله } فإن الكلامَ هنا هو اللفظي لأنهم لا يقصدون تبديلَ كلام الله الذي هو صفة ذاته، فإن صفة ذاته لا تتغير. فوضح أن كلامَ الله له إطلاقان أحدهما اللفظ المنزل والثاني كلامه الذاتي الذي ليس حرفاً ولا صوتاً، بل  أزلي أبدي لا هو عين ذاته ولا هو غيره إنتهى كلام الشيخ الحبشي

أضف تعليق