تنزيه الله عن مشابهة المخلوقات | التوحيد

الحمد لله رب العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن صلوات الله البرّ الرحيم والملائكة المقربين على سيّدنا محمد أشرف المرسلين وعلى آله وأصحابه وسائر الأنبياء وجميع أولياء أمّةِ محمّد صلى الله عليه وسلم

أمّا بعد فإنّ أهمَّ الأمورِ عند الله، أعْلى الأمور وأفضلَ الأعمالِ عند اللهِ تعالى هو معرفة اللهِ ورسوله كما ينبغي، ليس مجرد أن يقول القائل أشهد أن لا إله إلا الله وأشهَدُ أنّ محمّداً رسولُ الله بلسانه، لا يكفي مجرّد الاعتراف باللسان، بل لا بُدَّ من المعرفةِ بالقلب، لمعنى لا إله إلا الله محمّدٌ رسولُ الله فمن عَرَفَ معنى لا إله إلا الله ومعنى محمّدٌ رسولُ الله كما ينبغي، كما يجب، من عرف ذلك واعتَقَدَ بقلْبِه ولم يخالِجْهُ شَكٌّ هذا مضمونٌ له النَّجَاةُ من الخلودِ الأبديّ في جهنّم
مهما كان عنده ذنوب ومات لا بدّ ان يدخل الجنّة، مهما تعذّب في النارِ لا بدّ أن يدخلَ الجنّة
فمعنى لا إله إلا الله لا أحدَ يستحق نهايةَ التعظيم والخضوع والتذلّل إلا الله، الله تعالى هو الذي يَستحق على خلقه، على عباده نهايةَ التذلّل والتعظيم، لا أحد يجوز أن يُعَظَّم كما يعظمُ الله، لا الملائكة ولا الأنبياءَ ولا الأولياء يستحقون أن يعظَّمُوا كتعظيم الله، لكن يعَظَّمُون إلى حَد يليق بهم ليس إلى حد تعظيم الله، تعظيمُ الله تعظيمٌ مطلق، هو غاية التعظيم، نعظمُه غاية التعظيم والملائكة والأنبياء يعظمونَه، يخضعونَ له، يتذلّلُون له، أكثرَ منَّا يتذلَّلُون لربِهم الأنبياء والملائكة الذين هم أفضل الخلق.
معنى لا إله إلا الله لا أحد يستحقُّ نهاية التعظيم إلا الله، والله معناه ذاتٌ متّصِفٌ بصفاتِ الكمال اللائقة به ، موجودٌ لا يشبهُ الموجودات، لا يشبه شيئاً من العالم، من العوالم التي رأيناها والتي لم نَرها، لا يُشبه الإنسان، ليس شيئاً له نصفٌ أعلى ونصْفٌ أسفل كالإنسان، ولا كالجمادات كالشمس، والقمر، والكواكب، ولا هو كالهواء والضوء والظلام، لا يشبِهُ هذا كُلَّهُ فمن عَرَف أنّ الله موجودٌ لا يشبهُ شيئاً ولم يشبِّهْهُ بشىء بل اقتنع قَلْبُهُ على أن الله تعالى لا يُشْبهُ شيئاً من الأشياء، كلُّ ما يُتَصَوّرُ بالبال فالله بخلاف ذلك، مهما تصوّرْتَ ببالك فالله بخلاف ذلك هذا الكلام قاله الإمام ذو النون المصري

هذا الإمام ذو النون المصري من أكابر الأولياء الذين كانت ألسِنَتُهُم تفيْضُ بجَواهِرِ العلوم، هذا قال هذا الكلام وهو أخذ هذا الكلام من القرآن لأنّ الله في القرآن ذكرَ أنّه ليسَ كمثلِه شىء قال: {ليس كمثلِه شىء} [سورة الشورى ءاية 11] الله تعالى عن نفسه قال إنّه لا شىء مثْلُه، لا الإنسانَ يُشْبِهُ ولا النيّرات كالشّمس والقمر والنجوم، ولا الهواء ولا الريح ولا الماء ولا غيرَ ذلك من اللطائف، الرّوحُ مخلوقةٌ بعض الجهال يقولون الروح جزءٌ من الله، على زعمهم الله تعالى حالٌ فينا لأن الروحَ فينا وهذه الروح على زعمهم جُزْءٌ من الله، هؤلاء كفّار

الله تعالى لا يَحُلُّ في شىء ولا يَحُلُّ فيه شىءٌ غيرُه، لا يحلُ الله تعالى في شىء، ثم الله تبارك وتعالى لا يَمَسُّ ولا يُمَسّ، خلق العالم من دون مباشَرةٍ ولا ءالةٍ، ليس مثلَنا نحن نبني البناء بحركات وأدواتٍ وآلآتٍ وهو ليس كذلك خلقنا من دون مباشرة من دون حركات ومزاولات، بمشيئته الأزليّة حصلَ كلّ شىءٍ دخلَ في الوجود، هو تبارك وتعالى شاء في الأزل قبل أن يخلُقَ العالم شاءَ كلَّ ما سيحدثُ فحدَثَ كلُّ ما شاء وجودَه أي دخولَه في الوجود، حصَلَ، شاءَ في الأزل قبل أن يكون شىء سواهُ، ما كان في الأزل شىءٌ إلا الله، لم يكن عرشٌ ولا سماء، ولا جنة، ولا نار، ولا هواء، ولا نور، ولا ظلام، ما كان نورٌ ولا ظلام

شىءٌ يَحْتَارُ فيْهِ العَقْل، إذا قيل لك كيف يكون فيما مضى وجودٌ بلا ظلام ولا ضوء هذا شىء يَحْتَارُ فِيْهِ العقل يحتار فيه إدْرَاكُ الإنسان، لكن نؤمن نقول لم يكن في الأزل لا ضوء ولا ظلام، فالله كان هو وحدَهُ، لا ضوء ولا ظلام ولا هواء ولا رُوح ولا شىء، كان هو وحْدَه ثمّ خلَقَ قبلَ كلِ شىء الماء ثمّ من الماء خلق العرش ثم خلق من الماء القَلَمَ الأعلى، غيرُ أقلامِنا هذه، وخلق اللوحَ المحفوظ، هذا اللوحُ المحفوظ ليس كدفاترنا ولا كهذه الألواح (التي نكتب عليها) إنما هو جسمٌ كبير كبير مقدارهُ مقدارُ مسافة خمسِمائة عام، مساحَتُه، اتساعُه مقدار خمسِمائة عامٍ، هذا اللوح المحفوظ خلقه الله من الماء، كلُّ شىءٍ أصلُه يعودُ إلى الماء، العرش الكريم الذي هو أكبَرُ المخلوقات امتداداً واتّساعاً لا يعلمَ حدَّهُ إلا الله، هذا العرشُ مخلوقٌ من الماء وكذلك القلَمُ الأعلى خُلِقَ من الماء وكذلك اللوحُ المحفوظ خُلِقَ من الماء

فالله تبارك وتعالى كان قبل كلِ هؤلاء لا يُشْبِهُ شيئاً من هؤلاء، وخلقَ بعد هؤلاء سائرَ الأشياء، الأرض والسماوات والبهائم والجبال والأشجار والأنهار، هذه الأنهار التي على وجه الأرض، كلّ هذا خلقَهُ ثم بعد ذلك خلق آدم الذي هو أفضَلُ هذه المخلوقات، وآدم كان أفضل المخلوقات لأنّ الله تعالى شاء له أن يكون نبيًا، وشاء أن يطلع منه ذرّيّة فيهم أنبياء، بعضهُم أفضلُ منه مَقَامًا كسيدِنا محمد وإبراهيم الخليل وموسى وعيسى ونوح، هؤلاء من آدم طلعُوا لكن أعلى منه درجات عند الله، كان آخرَ الخلق آدم عليه السلام

الله تبارك وتعالى ليْسَ مثلَنا، ليس مثل العالم، العَالمُ يتطوّر، الإنسان يتطوّر يتعلّمُ أشياءَ لم يكن يعرفُها، الله تعالى عالمٌ بكلّ شىءٍ في الأزل، قبل أن يخلُقنا عالم بكلّ شىء حتى الأشياء التي ستحدث بعد هذا بمليارات السنين لأنّ الآخرة لا نهاية لها، الجنّة لا تفْنى، وأهْلُهَا بعد أن يدخلُوْها ويستقِرُّوا فيها لا موتَ عليهم، وجهنّمُ كذلك أهلُها الكفار بعد استقرارهم ودخولهم فيها لا مَوْتَ عليهم، كلُّ تطوّرات أحوال النار ذلك اليوم وكلّ تطوّرات أحوال الجنة ذلك اليوم، وأحْوالُ أهليهما، أهل النار وأهلِ الجنّة، الله عَلِمَهُ في الأزَل وشاء أن يكون فلا بُدَّ أن يكون، فالله تعالى لا يتغيّر ولا يتطوّر ولا يحصلُ شىءٌ جديد لم يشأه ولم يعلَمْهُ في الأزل كلُّ ما يحصل من التّغَيُّرات فينا هو عَلِمَهُ في الأزل

الله علم في الأزل أنّ هذا الإنسان يعيش من عمْره إلى كذا من الوقت بصفة كذا، ثم بعد ذلك يعيش بصفة كذا ثمّ بعد ذلك يعيش بصفة كذا إلى نهاية أمره، عالمٌ بكلّ ذلك جُمْلَةً وتفصيلاً لا يتجدَّدُ له علم، ولا يشاء شيئاً جديداً ولا يشاءُ مشيئةً جديدة بل مشيئته أزلية وعلمه أزلي وقُدرتُه ازليّة هذا معنى معرفة الله، مع التنزيه عن اللون البياض والسواد والشُّقْرة والحُمْرة والخُضْرة والزُّرْقة كلُّ هذا لا يجوز على الله.

كلُّ ما في العالم لا يجوز أن يكونَ الله مُتَّصِفًا به، لا يجوز أن يكون متحيّزاً في المكان كما نحن نتحيَّز في الأماكن لأنَّ الشىء الذي له مكان لا بُدّ له من مسَاحة والشىء الذي له مِسَاحة لا يكونُ إلاّ مخلوقاً، لا يكون خالقاً، كما هو مذكور في قول الإمام أبي جعفر الطحاوي: تعالى عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات ولا تحويه الجهاتُ الستُّ
الجلوس لا يكون إلا من شىء له نصفٌ أعلى ونصف أسفل كالإنسان فالله تعالى لا يجوز عليه أن يجلسَ على العرش، مستحيل، الذي يعتقد في الله أنه جالسٌ على العرش أو في سَماءٍ من السّماوات ما عرَف الله، فمعرفة الله لا تصحّ إلاّ بعد التخلي عن هذه الأشياء
معنى محمّدٌ رسولُ الله فمعناه أن محمدَ بنَ عبدِ الله القُرَشيَّ الهاشميَّ نبيُ الله صادق في كلّ ما جاء به عن الله تعالى، في كلِّ ما أخبر به عن الله تعالى صادق، لا يُعْتَرَضُ عليه فيما أحلَّ لأمّته وفيما حرّم على أمته، إذا قال هذا حرامٌ عليكم فكلامُه صحيح وإذا قال هذا فرضٌ عليكم فكلامُه صحيح، إذا قال هذا يكون في الآخرة لا بدّ أن يكون، وإذا قال حصل كذا وكذا لآدم أو لموسى أو لهارون أو لعيسى فالأمر كما قال محمّد،

وإذا رأينا كتاباً الآن يُسَمّى في أيدي الناس توراةً أو إنجيلاً فيه خلاف ما في القرآن الكريم الذي أنزلَهُ الله على محمّد فالصحيحُ ما في القرآن الذي أنزله الله على محمّد، أما ما في ذلك الكتاب المحرّف التوراة المحرفة والإنجيل المحرّف فهذا ليس صحيحاً إنّما الصّحيح ما قالَهُ محمّدٌ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، إذا قال قَوْلاً فالمَقَالُ صحيحُ، هكذا قال بعضُ المادحين للرسولُ يُسمّى أبا بَكْرٍ الوَرّاق.
هذا معنى محمّدٌ رسولُ الله

ثمّ من عرف الله ورسولَه كما ذكرنا ومات على ذلك وتجنّبَ الكفريّات، تجنّب سب الله والأنبياء وتجنب سبّ الملائكة كعزرائيل، تجنّب الاستخفاف بشعائر الدين كالصلوات الخمس، وصيام رمضان، وحَجّ البيت، من تجنب الاستخفاف بأمور الدّين أمسَكَ لسانَه واعتقادَهُ عن الكفر هذا إذا ماتَ مهما كان عليه ذنوب لا بُدَّ أن يدخُلَ الجنّة وإن مات وهو تائبٌ من الذّنوب كُلِها هذا ليس عليه في قبرِه ولا في آخرته شىءٌ من النّكد بل هو دائماً في فرح روحُه دائماً في سرور وجسْمُه لا يسَلطُ الله عليه حَيَّةً من حَيَّاتِ القبور
في القبور حيّات، حياتٌ غيرُ هذه الحيات، الله خَلَقَها لمن شاءَ من الكفّار ومن بعض فُسَّاقِ المسلمين الذين ماتوا بلا توبة فالمؤمن الذي يموتُ تائباً ليس عليه نكدٌ بوجه من الوجوه بل هو سالمٌ، ولو كان في الدنيا مرتاحاً مُنَعّماً في رَفَاهيَة فما بعدَ الموت يكون أفضَلَ له لكن الناس المحْجُوْبون الذين معرفتُهم قليلة يقولون القبر بُقْعةٌ ضيّقَةٌ أربعةُ أذرع في ذراعين، لا يَظنُّ أنه يحصل للميت في قبره فرحٌ، ونعيمٌ، وبَسْطٌ، وراحةٌ لكن هو يجد هذا الشّىء، بعدما يُدْفَن يذوقُ هذا الشىء ومن كشَفَ الله له عن حقائق أحوال أهل القبور يرى أنّ قبورهم اتّسعت

بعضٌ منها مَدَّ البصر تَتّسِع، قدرَ ما يمتَدُّ نظَرُ العين وبعضٌ منها سَبْعين ذراعاً في سبعين ذراعاً، على أحوالٍ شتّى، لأنّ درجات العباد بعضُها فوقَ بعضٍ، الأولياء درجاتُهم بعضُها فوْقَ بعض، كان بعدما تُوُفِيَ الرسول بعد خلافة عمرَ بن الخطّاب رضيَ الله عنه رجلٌ من أصحاب الرسول اسمه العَلاَءُ بنُ الحَضْرَمي هذا كان خرج قائداً على أناسٍ من المؤمنين، قائداً في الغزو، في الجهاد في سبيل الله، ثم هذا القائد من الأولياء جاء ليلاحِقَ العَدُوَّ، الكفّار، فما وجد سفينةً يلحَقُ بها الكفّار الذين أخذُوا السّفن وهرَبُوا بها هو أوّلاً قال بِسْمِ اللهِ يا عَلِيُّ يا كَرِيْم وخاضَ البحر فلم تَبْتَلَّ رُكَبُه، ثم قال لهم خوضوا للجيش، خاضُوا فقطعوا من دون أن يلحَقَهُم تعَبٌ ثم لحقُوا العَدُوَّ فظفِرُوا بالعَدُوِ، كسَرُوا العَدُوَّ، ثمّ بعد ذلك في أثناء تلكَ السَّفْرة تُوفِيّ هذا القائد في أرْضٍ برّيّةٍ ليسَ فيها سُكَّان، برّيّة، مَفَازَة، حفروا له لأنّ إكرامَ الميّت التعجيلُ بدفنِه، حفروا له فدفنوه ثمّ بعد أن تجاوزا محلَّ الدفن لَقُوا شخصاً من أهل تلك الناحية قال لهم لما علم أنهم قاموا عن دفنِه مَنْ هذا الذي دَفَنْتموه؟

قالوا هذا العلاءُ بن الحَضْرمي فقال ما جزاءُ صاحبكم أن تتركوه بهذه الأرض هذه الأرضُ فيها سِبَاع، السّباع تَحْفِر لتأكُلَ الجُثّة قالوا صحيح لا نتركُه هنا بهذه الأرض فرجعوا فحفروا فلم يجدوه إنَّما وجدوا القَبْرَ ممتداً مَدَّ البَصَر يتلاطَمُ نوراً، القَبْرُ كلُّه أنوار أما جسَدُه فلم يَروْه، رُفِعَ إلى حيثُ يشاء الله، مثلُ هذه الحالة نادرة، كذلك شُوْهِدَ، بعضُ عبادِ اللهِ الصالحين شاهدوا بعضَ القبور اتّسعت وامتلأت نوراً، أمّا أَكثرُ الناس لو فَتحوا قبر وليّ لا يروْنَ هذه الأنوار ولا يروْنَ هذا الاتّساع.
والله سبحانه وتعالى اعلم

أضف تعليق