الحمدلله الموجود أزلا وأبدا بلا مكان المنزه عن الحدود والجسم والشكل مهما تصورت ببالك فالله بخلاف ذلك والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه الاتقياء، أما بعد:
كل نبي قبل النبوة سبق له رَعي الغنم فترة من الوقت، وذلك حتى ينشأ قبل النبوة على التواضع والتعب في خدمة الخلق، حتى سليمان عليه السلام. أعطى الله تعالى سيدنا سليمان مُلكًا عظيمًا، وأعطى أباه كذلك الملك والنبوة، ومع ذلك رعى الغنم في وقت من شبابه، لذلك الأنبياء لمَّا يدعون الكفار للإيمان بالله كان صبرهم شديدًا على الأذى، لأن الكفار كانوا يقابلونهم بالسب والشتم والافتراء وأحيانًا بالضرب، نوح عليه السلام كان يقول لهم: اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئًا واتركوا هذه الأوثان، وكانوا أحيانًا يضربونه حتى يغشى عليه، وكذلك سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام كان يحصل له مثل ذلك، الكفار تكالبوا عليه، ومع ذلك ما كان يقابلهم بالمثل مع أنه أعطاه الله قوة أربعين رجلاً. كان يقول لهم في موسم اجتماع قبائل العرب:”أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا“، ويصبر على أذاهم ولا يقابلهم بالمثل، وإنما كان يعفو عن السيئة، ولولا شدة تواضعه وشدة صبره ما انتشر دينه في جزيرة العرب كلها في ظرف خَمْس وعشرين سنة التي هي المدة التي عاشها بعد نزول الوحي عليه تقريبًا، قام وحده، ولم يكن في مكة وما يليها من الجزيرة العربية بين البشر مسلم غيره.
ثم إنه بما أنه جُبِل على الصبر والتواضع دعوته أثّرت وانتشرت حى عمّت كل الجزيرة العربية في حياته؛ جزيرة العرب أرض واسعة، اليمن كله عاليه وسافلُهُ، والحجاز كله، وهذه الإمارات أبو ظبي ودبي وقطر، كل هذا جزيرة العرب، فلولا صبره وتواضعه ما قويت دعوته وانتشرت في جزيرة العرب. الدنيا أول ما جاء الوحي على الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان فيها مسلم بين البشر، الخضر كان في البحر منقطعًا عن البشر، ليله ونهاره في البحر، الله جعل له البحر كالأرض اليابسة لا يختلط بالناس، وهو نبي قبل موسى، كل نواحي الأرض كانوا يعيشون على الكفر، ثم قام سيدنا محمد عليه السلام لما نزل عليه الوحي فنشر الإسلام في الجزيرة العربية، ثم الصحابة بعد موته نشروا الإسلام في مصر والعراق وبر الشام كله وطرف الصين، في ظرف خمس وعشرين سنة من تاريخ الهجرة وصلت الفتوحات الإسلامية إلى هذه المسافة البعيدة، وذلك ببركته عليه الصلاة والسلام، ما صار لنبي من الأنبياء كثرة الأتباع مثلَ ما صار لنبينا محمد عليه الصلاة والسلام. لذلك يوم القيامة أهل الجنة يكونون مائة وعشرين صفًا، ثمانون صفًا من أمة محمد عليه السلام، وأربعون صفًا أمم جميع الأنبياء الذين قبله.
ثبتنا الله تعالى على نَهْجِ وَنُورِ دَرْبِ الحبيب المصطفى عليه السلام، إن الله على كل شىء قدير