ومما يردّ ذلك قولُهُ تعالى {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ} (سورة الأنعام/ ءاية 59) وقولُهُ تعالى {عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} (سورة الزمر/ ءاية 46) تمدَّحَ تبارك وتعالى بإحاطته بالغيب والشهادة علماً، فهذا القائل إنَّ الرسول يعلم بإعلام الله له كلّ شىء يعلمه الله جعله مساوياً لله في إحاطة علمه بكل شىء.ا
ويخالفُ ذلك أيضاً قولَه تعالى {قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} ( سورة الأحقاف/ءاية 9)ا فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم بنص هذه الآية لا يعلم جميعَ تفاصيل ما يفعله الله به وبأمته، فكيف يتجرأ متجرئ على قول أن الرسول يعلم بكل شىء. اوروى البخاريُّ في الجامع حديثاً بمعنى هذه الآية ورد في شأن عثمانَ بن مَظْعون.ا فقائلُ هذه المقالة قد غلا الغلوَّ الذي نهى اللهُ ورسولُهُ عنه.ا
قال الله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ}( سورة المائدة/ ءاية 77) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إيّاكم والغلوَّ فإنَّ الغلوَّ أهلك من كان قبلكم“ا رواه ابن حبان.ا
وقد صحَّ أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم قال “لا ترفعوني فوق منزلتي” وروى البخاري في الجامع من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إنكم محشورونَ إلى الله حفاةً عراةً غُرلاً {كما بدأنا أول خلقٍ نعيدُه} وإنه سيُجاءُ بأناس من أمتي فيُؤخَذُ بهم ذاتَ الشمال فأقول هؤلاء أصحابي فيُقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم فأقولُ سُحْقاً سحقاً أٌقولُ كما قال العبد الصالحُ وكنتُ عليهم شهيداً ما دُمْتُ فيهم” إلى قوله {العزيز االحكيم}.ا
ومن أعجب ما ظهر من هؤلاء الغلاة لما قيل لأحدهم: كيف تقول الرسول يعلم كل شىء يعلمُهُ الله وقد أرسل سبعين من أصحابه إلى قبيلة ليعلّموهم الدين فاعترضتهم بعضُ القبائل فحصدوهم، فلو كان يعلم أنّه يحصل لهم هذا هل كان يرسلهم؟! قال: نعم، يرسلهم مع علمه بذلك.ا والحديث رواه البخاري وغيره.ا
ومثل هذا الغالي في شدة الغلوّ رجلٌ كان يدّعي أنه شيخ أربع طرق قال: الرسول هو المرادُ بهذه الآية {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}ا (سورة الحديد/ءاية 3)ا وهذا من أكفر الكفر، لأنه جعل الرسول الذي هو خَلْقٌ من خَلْقِ الله أزلياً أبدياً، لأن الأولَ هو الذي ليس لوجوده بدايةٌ وهو الله بصفاته فقط. ا.هـا