سبحانكَ لا يَحْوِيْكَ مكان

                                        سبحانكَ لا يَحْوِيْكَ مكان                                                   
                                                   بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا , والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله 
وصحبه وسلم  .

يقول الله تعالى في القرآن الكريم { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً }   ويقول النبي صلى الله عليه وسلم { الدين النصيحة فالقول السديد الذي أمرنا الله تعالى به هو القول الموافق للشرع . وكلمة الله موجود في كل مكان لا توافق القرآن والسنة المطهرة وإجماع الأئمة الأعلام ,لأن الله تعالى قالعن نفسه {ليس كمثله شيء} وقال{ فلا تضربوا لله الأمثال} وأية ليس كمثله شيء أصرح آية في القرآن في تنزيه الله تعالى عن الشبيه والمكان.


لأن المكان من صفات المخلوقين والذي يكون في مكان يكون جسماً ملئ شيئاً من الفراغ والله ليس جسماً صغيراً ولا كبيراً ولا أصغر من العرش ولا أكبر منه حجماً لأنه لو كان جسماً لكان له أمثال لا تحصى ولجاز عليه ما يجوز على الأجسام قال الله تعالى في ذم الكفار { وجعلوا له من عباده جزءا }

– قال الإمام أبو الحسن الأشعري في كتابه النوادر{ من اعتقد أن الله جسمٌ فهو غير عارف بربه وإنه كافر به}.


– وقال الإمام الرواس عن الله تعالى { ليس كمثله شيء ، ولا هو مثل شيءٍ ، ولا يحده المقدار ولا تحويه الأقطار ولا تحيط به الجهات ، ولا تكتنفه السماوات }

– وقال ابو الحسن القاوقجي الطرابلسي الحنفي عن الله تعالى { ليس متحيزاً في الأرض ولا في السماء لايمكن تصوره في القلب ولا شبيه له في الموجودات}

– وقال الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه { مهما تصورت ببالك فالله بخلاف ذلك}.

– وقال سيدنا علي رضي الله عنه { كان الله ولا مكان وهو الأن على ما عليه كان } رواه أبو منصور البغدادي في الفرق بين الفرق.

– وقال الأمام عبد القاهر أبن طاهر التميمي البغدادي في الفرق بين الفرق [ وأجمعوا (أي  أهل السنة ) على أنه لا يحويه مكان ولايجري عليه زمان ] .
وقال الإمام زين العابدين عن الله [ سبحانك لا يحويك مكان ] رواه محمد مرتضى الزبيدي في الإتحاف.

– وقال الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه [من زعم أن الله في شيء أو على شيء أو من شيء فقد أشرك إذ لوكان في شيء لكان محصوراً،ولو كان على شيء لكان محمولاً ،ولو كان  من شيء لكان محدثاً أي مخلوقاً ] رواه القشيري في الرسالة.
والله ليس له حد ولا مقدار والمحدود عند العلماء ما له حجم صغير كان أو كبير .

– قال الإمام أبو جعفر الطحاوي وهو من علماء السلف [ تعالى[يعني الله] عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات ولا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات].

فالجسم
من صفات المخلوقين والله لا يشبه المخلوقات بأي وجه من الوجوه لأن العالم كله أجسام إم جسم لطيف أو كثيف
والجسم اللطيف ما لا يضبط بالأصابع كالهواء والروح والملائكة والجن .
والجسم الكثيف ما يضبط بالأصابع كالحجر والشجر والإنسان والسماوات والأراضين. فلو كان جسماً كثيفاً لكان له أمثال  ولو كان جسماً لطيفاً لكان له أمثال لا تحصى والله قال{ليس كمثله شيء} فالجسم هو الذي يكون في مكان يملئ حيزاً من الفراغ .والله لا يسكن سماءً ولا أرضاً ولا يجلس على العرش لأن الجلوس من صفات الإنسان والجن والملائكة والبقر والقردة والخنازير فكيف يوصف بهذه الصفة فهذا ليس مدحاً في حق الله بل هذا شتمٌ لله .
أما ألإستواء أما أن نقول كما قال ألإمام الشافعي رضي الله عنه [ أمنت بما جاء عن الله على مراد الله ] وقال الإمام أحمد [ إستوى كما أخبر لا كما يخطر للبشر].

وأما قول مالك فلم يقل والكيف عنه مجهول بل قال
 [ والكيف عنه غير معقول ] رواه البيهقي.وقال بعض السلف [ أمروها كما جائت ] أي مع تنزيه الله عن صفات المخلوقين أي من غير اعتقاد أن الله جالس أو متحيز في جهة أو مكان .وهذا هو الغالب على أهل السلف أي أن الأغلب لم يوؤل تأويلاً تفصيلياً وبعضهم أول تأويلاً تفصيلياً كما ثبت عن أبن عباس أنه أول قوله تعالى {يوم يكشف عن ساق} أي عن كرب وشدة , وتلميذه مجاهد أول قوله تعالى{فأين ما تولوا فثم وجه الله } قال أي قبلة الله في صلاة النفل في السفر على الدابة , والبخاري كذلك أول في صحيحه تفسير سورة القصص قوله تعالى{ كل شيء هالك إلاَّ وجهه} إلاَّ ملكه , وقبله الإمام سفيان الثوري مثل هذا التفسير ,وأحمد ابن حنبل أول الآية { وجاء ربك } أي جاءت قدرته رواه البيهقي في مناقب أحمد  فهؤلاء كلهم من أهل السلف .
أو تقول كما قال أهل الخلف فهم حملوها على معنى مستقيم في العقول فتحمل لفظة الإستواء على معنى قهر كما يقال أستوى فلان على الممالك  إذا احتوى على مقاليد الملك واستعلى الرقاب وكقول الشاعر:
   إستوى بشر على العراق  …. من غير سيف ودم مُهراق

وهذا موافق للعقل  والشرع
 لأن الله قال عن نفسه { وهو القاهر }
والمسلمون منذ زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا يسمون أولادهم [بعبد القاهر,وبعبد القهار ] ولم يسموا أولادهم بعبد الجالس لأن الجلوس نقص في حق الله فتفسير الإستواء بقهر يوافق القرآن، أما الجلوس والأستقرار يناقض العقل والقرآن ، فالله قال” ليس كمثله شيء ” ،والذي يكون جالساً يكون له جسمٌ أعلى وجسمٌ أسفل والله ليس جسماً.

فلا يجوز حمل الآيات المتشابهات على الظاهر بل ترد إلى الآية المحكمة { ليس كمثله شيء} حتى لايكون هنالك تناقض والقرآن ليس فيه آية تناقض آية أخرى .
الله تعالى قال عن الآيات المحكمات {هن أم الكتاب} أي يرجع تفسير الآيات المتشابهات على ما يوافق الآية المحكمة ،ولو كان فيه اختلاف لكان من عند غير الله

فماذا يقال في قوله تعالى {وهو معكم أينما كنتم } وقوله{ألا إنه بكل شيء محيط}
وقوله { أينما تولوا فثم وجه الله } وقوله عن إبراهيم { إني ذاهب إلى ربي سيهدين}
وقوله { نحن أقرب إليه من حبل الوريد} ؟ ! فإن قيل نأخذ على الظاهر كان التناقض والتضارب ظاهراً , فالظاهر في آية هو معنا أينما كنا وفي آية هو محيط بالعالم وفي آية هو في فلسطين وفي آية هو عند رقاب عباده وفي آية هو في جميع الجهات التي يتوجه إليها المصلي في السفر بصلاة النفل , والواحد يستحيل أن يكون في هذه الأماكن في لحظة واحدة , وإن ردت هذه الآيات إلى ليس كمثله شيء لم يكن هنالك تناقض .

فقوله وهو معكم إي بالعلم , وبكل شيء محيط إحاطة علم ,وقوله عن إبراهيم إني ذاهب إلى ربي إي إلى المكان الذي أمرني ربي إي إلى طاعة الله , وقوله نحن أقرب إليه من حبل الوريد 
أي يعلم بنا أكثر من أنفسنا فعلى هذه المعاني وافقت الآيات المتشابهات المذكورة آنفاً آية ليس كمثله شيء فإذاً الله لايجوز عليه صفة الجلوس ولا المكان ولا الجهات ولا أي صفة من صفات خلقه ,ألله خص بعض المخلوقات في جهة فوق وبعضهم في جهة تحت فلو كان الله في جهةٍ أو مكان لأحتاج إلى من خصه بهذه الجهة دون الأخرى وبمكان دون الأخر والمحتاج إلى غيره يكون عاجزاً والعاجز لا يكون إلهاً .

وأما قوله تعالى { سبح اسم ربك الأعلى } ألأعلى صفة الرب أي أعلى من كل شيء قدراً وشأناً وعظمةً .

فالمكان ليس دليلاً على رفعت الشأن فجبريل مكانه  يبعد عن الأرض نحو عشرين ألف سنة كما ذكر الحافظ أبو نعيم في الحلية والرسول مدفون في الأرض مع ذلك رسول الله أفضل من جبريل , ألله تعالى كان قبل المكان بلا مكان وبعد أن خلق المكان والزمان ما زال بلا مكان لا يتغير ولا يتطور لأن التغير والتطور من صفات خلقه .

فلا يقال الله موجود في كل مكان أو موجود في كل الوجود بل يقال [ الله موجود بلا كيف ولا جهة ولا مكان ] فإن قيل هذا إنكار لوجود الله يقال لهم : أليس هو خلق المكان والزمان فمن الضرورة سيقولون بلى يقال :أليس كان قبل المكان والزمان كذلك سيقولون بلى فيقال : هل نقول الله كان موجوداً بلا مكان أم المكان ليس مخلوقاً فإن قالوا المكان ليس مخلوقاً فهو عين الكفر والشرك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال :” كان الله ولم يكن شيء غيرهرواه البخاري وغيره ,وإن قالوا كان قبل المكان بلا مكان فنقول لهم كما صح وجوده قبل خلق المكان بلا مكان يصح وجوده بعد خلق المكان بلا مكان .


قال الإمام البيهقي في كتابه ألأسماء والصفات :استدل بعض أصحابنا في نفي المكان عنه 
بقول النبي صلى الله عليه وسلم [ وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء ] فمن لاشيء فوقه ولا شيء دونه لم يكن في مكان .


وخلاصة الأمر أن الله موجود لا يشبه الموجودات موجود بلا كيف ولا مكان ولا زمان هذا هو الحق الذي لايصح غيره وهو أحق أن يتبع أردناها نصيحة لله تعالى والله من وراء القصد وهو  أرحم الراحمين.

أضف تعليق