العلامة الشيخ عبد الله الهرري
الشيخ أبو عبد الرحمن عبد الله بن محمَّد بن يوسف الهرري
مرشد جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية العلامة المُحدِّث الشيخ عبد الله الهرري رحمه الله
نشأته وسيرته
هو المرشد المربي، الولي الصالح، العالِم الجليل، قدوة المحقّقين، عمدة المدقّقين، صدر العلماء العاملين، الإِمام المحدّث، التقي الزاهد، الفاضل العابد، صاحب المواهب الجليلة، الشيخ أبو عبد الرحمن عبد الله بن محمَّد بن يوسف بن عبد الله بن جامع الشَّيبي العبدري القرشي نسبًا الهرري موطنًا المعروف بالحبشي رضي الله عنه وأسكنه فسيح جناته.
مولد ونشأة العلامة الهرري المعروف بالحبشي رحمه الله
ولد العلامة المحدث الشيخ عبد الله رحمه الله في مدينة هرر في بلاد الحبشة حوالى سنة 1328 هـ = 1910 ر.
نشأ في بيت متواضع محبا للعلم ولأهله، فحفظ القرءان الكريم استظهارا وترتيلا وإتقانا وهو قريب العاشرة من عمره في أحد كتاتيب باب السلام في هرر، وأقرأه والده كتاب “المقدمة الحضرمية في فقه السادة الشافعية” للشيخ عبد الله بافضل الحضرمي الشافعي، وكتاب “المختصر الصغير فيما لابد لكل مسلم من معرفته” وهو كتاب مشهور في بلاده. ثم حُبب إليه العلم فأخذ عن بعض علماء بلده وما جاورها، وعكف على الاغتراف من بحور العلم فحفظ عددا من المتون في مختلف العلوم الشرعية.
رحلاته العلمية
لم يكتف رضي الله عنه بعلماء بلدته وما جاورها بل جال في أنحاء الحبشة ودخل أطراف الصومال مثل هرگيسا لطلب العلم وسماعه من أهله وله في ذلك رحلات عديدة لاقى فيها المشاق والمصاعب غير أنه كان لا يأبه لها بل كلما سمع بعالم شدّ رحاله إليه ليستفيد منه وهذه عادة السلف الصالح. وساعده ذكاؤه وحافظته العجيبة على التعمق في الفقه الشافعي وأصوله ومعرفة وجوه الخلاف فيه، وكذا الشأن في الفقه المالكي والحنفي والحنبلي.
وأولى علم الحديث اهتمامه روايةً ودرايةً فحفظ الكتب الستة وغيرها بأسانيدها وأجيز بالفتوى ورواية الحديث وهو دون الثامنة عشرة حتى صار يشار إليه بالأيدي والبنان ويقصد وتشد الرحال إليه من أقطار الحبشة والصومال حتى صار على الحقيقة مفتيًا لبلده هرر وما جاورها.
ثم رحل إلى مكة المكرمة بعد أن كثر تقتيل العلماء وذلك حوالي سنة 1369 هـ = 1949ر فتعرف على عدد من علمائها كالشيخ العالم السيد علوي المالكي، والشيخ السيد أمين الكتبي، والشيخ محمد ياسين الفاداني، والشيخ حسن مشاط وغيرهم وربطته بهم صداقة وطيدة، وحضر على الشيخ محمد العربي التباني، واتصل بالشيخ عبد الغفور الأفغاني النقشبندي فأخذ منه الطريقة النقشبندية.
ورحل بعدها إلى المدينة المنورة واتصل بعدد من علمائها منهم الشيخ المحدث محمد بن علي أعظم الصديقي البكري الهندي الأصل ثم المدني الحنفي وأجازه، واجتمع بالشيخ المحدث إبراهيم الخُتني تلميذ المحدث عبد القادر شلبي وحصلت بينهما صداقة ومودة ثم لازم مكتبة عارف حكمت والمكتبة المحمودية مطالعًا منقبًا بين الأسفار الخطية مغترفًا من مناهلها فبقي في المدينة مجاورًا مدة من الزمن.
ثم رحل إلى بيت المقدس حوالي سنة 1370 هـ = 1950 ر ومنه توجه إلى دمشق فاستقبله أهلها بالترحاب لا سيما بعد وفاة محدثها الشيخ بدر الدين الحسني رحمه الله، ثم سكن في جامع القطاط في محلة القيمرية وأخذ صيته في الانتشار فتردد عليه مشايخ الشام وطلبته وتعرف على علمائها واستفادوا منه وشهدوا له بالفضل وأقروا بعلمه واشتهر في الديار الشامية بخليفة الشيخ بدر الدين الحسني وبمحدث الديار الشامية، ثم تنقل في بلاد الشام بين دمشق وبيروت وحمص وحماه وحلب وغيرها من المدن السورية واللبنانية إلى أن استقر ءاخرًا في بيروت.
من أقواله رضي الله عنه
قال رضي الله عنه: علامة حُبّ الله تعالى هو اتباع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فمن اتبع سيدنا محمدا اتباعا كاملا فهو من أولياء الله، من أحباب الله الذين لاخوف عليهم ولا هم يحزنون، سواء كانوا رجالا أو نساء.
قال رحمه الله تعالى: لا يزال العبد بخير ما كان له واعظ من نفسه وكانت المحاسبة من همّتـه.
من نصائحه رضي الله عنه
قال رحمه الله وأكرم مثواه: الاستيقاظ قبل الفجر لعمل الطاعات عادة الصالحين والصالحات، كان ذلك في القديم معروفا، اليوم تغيرت الأحوال يسهرون على التلفزيون وينامون بعد الثانية عشرة هذا خلاف السـنة، لذلك أغلب القلوب ليس فيها نور، فيها ظلمات.
تصانيفه وءاثاره
رغم انشغال الشيخ المحدث عبد الله الهرري رحمه الله بنشر العلم والدعوة إلى الله فقد ترك كتبا وأثارا ومؤلفات قيمة منها:
1 – الصراط المستقيم.
2 – الدليل القويم على الصراط المستقيم.
3 – مختصر عبد الله الهرري الكافل بعلم الدين الضروري.
4 – بغية الطالب لمعرفة العلم الديني الواجب.
5 – صريح البيان في الرد على من خالف القرأن.
6 – المقالات السنية في كشف ضلالات أحمد بن تيمية.
7 – المطالب الوفية شرح العقيدة النسفية.
8 – إظهار العقيدة السنية في شرح العقيدة الطحاوية.
9 – التعقب الحثيث على من طعن فيما صح من الحديث.
10 – نصرة التعقب الحثيث على من طعن فيما صح من الحديث.
11 – الروائح الزكية في مولد خير البرية.
12 – شرح ألفية الزبد في الفقه الشافعي.
13 – شرح متن أبي شجاع في الفقه الشافعي.
14 – شرح متن العشماوية في الفقه المالكي.
15 – شرح متممة الآجرومية في النحو.
16 – التحذير الشرعي الواجب.
17 – شرح البيقونية في المصطلح.
18 – الدر النضيد في أحكام التجويد.
19 – شرح الصفات الثلاث عشرة الواجبة.
20 – العقيدة المنجية، وهي رسالة صغيرة أملاها في مجلس واحد.
21 – شرح التنبيه للإمام الشيرازي في الفقه الشافعي.
22 – شرح منهج الطلاب للشيخ زكريا الأنصاري في الفقه الشافعي.
23 – شرح كتاب سلم التوفيق إلى محبة الله على التحقيق للشيخ عبد الله باعلوي.
24 – شرح ألفية السيوطي في مصطلح الحديث.
25 – قصيدة في الاعتقاد والإرشاد تقع في ستين بيتا تقريبا.
تدريس العلامة عبد الله الهرري رحمه الله للعلوم الشرعية
شرع رحمه الله ورضي عنه بإلقاء الدروس مبكرًا على الطلاب الذين ربما كانوا أكبر منه سنًا فجمع بين التعلم والتعليم في ءان واحد، وانفرد في أرجاء الحبشة والصومال بتفوقه على أقرانه في معرفة تراجم رجال الحديث وطبقاتهم وحفظ المتون والتبحر في علوم السنة واللغة والتفسير والفرائض وغير ذلك حتى إنه لم يترك علمًا من العلوم الإسلامية المعروفة إلا درسه وله فيه باعٌ.
وربما تكلم في علم فيظن سامعه أنه اقتصر عليه في الإحكام وكذا سائر العلوم على أنه إذا حُدّث بما يعرف أنصت إنصات المستفيد فهو كما قال الشاعر:
وتراه يصغي للحديث بسمعه … وبقلبه ولعله أدرى به
قدم أول مرة إلى بيروت حوالي سنة 1370 هـ = 1950 ر فاستضافه كبار مشايخها أمثال الشيخ القاضي محيي الدين العجوز، والشيخ المستشار محمد الشريف، واجتمع في بيته بمفتي عكار الشيخ بهاء الدين الكيلاني وسأل الشيخ في علم الحديث واستفاد منه، واجتمع بالشيخ عبد الوهاب البوتاري إمام جامع البسطا الفوقا والشيخ أحمد اسكندراني إمام ومؤذن جامع برج أبي حيدر واستفادا منه.
ثم اجتمع بالشيخ عبد الرحمن المجذوب وبالشيخ توفيق الهبري وعنده كان يجتمع بأعيان بيروت واستفادا منه، وبالشيخ مختار العلايلي رحمه الله أمين الفتوى السابق الذي أقر بفضله وسعة علمه وهيأ له الإقامة على كفالة دار الفتوى في بيروت ليتنقل بين مساجدها مقيما الحلقات العلمية وذلك بإذن خطي منه.
وفي سنة 1389 هـ = 1969 ر وبطلب من مدير الأزهر في لبنان ءانذاك ألقى محاضرة في التوحيد في طلاب الأزهر.
ثناء مشايخ بلاد الشام وغيرها على العلامة عبد الله الهرري رحمه الله
أثنى عليه العديد من علماء وفقهاء الشام منهم: الشيخ عز الدين الخزنوي الشافعي النقشبندي من الجزيرة شمالي سوريا، والشيخ عبد الرزاق الحلبي إمام ومدير المسجد الأموي بدمشق، والشيخ أبو سليمان سهيل الزبيبي، والشيخ ملا رمضان البوطي، والشيخ أبو اليسر عابدين مفتي سوريا، والشيخ عبد الكريم الرفاعي، والشيخ سعيد طناطرة الدمشقي، والشيخ أحمد الحصري شيخ معرة النعمان ومدير معهدها الشرعي، والشيخ عبد الله سراج الحلبي، والشيخ محمد مراد الحلبي، والشيخ صهيب الشامي مدير أوقاف حلب، والشيخ عبد العزيز عيون السود شيخ قراء حمص، والشيخ أبو السعود الحمصي، والشيخ فايز الديرعطاني نزيل دمشق وجامع القراءات السبع فيها، والشيخ عبد الوهاب دبس وزيت الدمشقي، والدكتور الحلواني شيخ القراء في سوريا، والشيخ أحمد الحارون الدمشقي الولي الصالح، والشيخ طاهر الكيالي الحمصي، والشيخ صلاح كيوان الدمشقي، والشيخ عباس الجويجاتي الدمشقي، ومفتي محافظة إدلب الشيخ محمد ثابت الكيالي، ومفتي الرقة الشيخ محمد السيد أحمد، والشيخ نوح القضاه من الأردن وغيرهم خلق كثير.
وأثنى عليه أيضا الشيخ عثمان سراج الدين سليل الشيخ علاء الدين شيخ النقشبندية في وقته، وقد حصلت بينهما مراسلات علمية وأخوية، والشيخ عبد الكريم البياري المدرس في جامع الحضرة الكيلانية ببغداد، والشيخ محمد زاهد الإسلامبولي، والشيخ محمود الحنفي من مشاهير مشايخ الأتراك العاملين الآن بتلك الديار، والشيخان عبد الله وعبد العزيز الغماري محدثا الديار المغربية، والشيخ محمد ياسين الفاداني المكي شيخ الحديث والإسناد بدار العلوم الدينية بمكة المكرمة، والشيخ محمود الطش مفتي إزمير، والشيخ المحدث حبيب الرحمن الأعظم والشيخ محمد زكريا الكندهلوي والشيخ المحدث إبراهيم الختني نزيل المدينة المنورة وغيرهم خلق كثير.
هرر تفتح ذراعيها لمحدّث الدنيا العلامة الهرري
منذ قريب النصف قرن من الزمن، خرج المحدث العلامة الشيخ عبد الله الهرري من بلاده هرر مفارقًا أهله ومحبيه الذين كابدوا الليالي والأيام، وتحلوا بالأمل والصبر رغم مرور الأشهر والأعوام، منتظرين عودته والاستنارة من بحور علومه المتنوعةالصافية، والاسترشاد بنصائحه ومواعظه وحكمه، في الوقت الذي كان فيه الشيخ الهرري يجوب البلدان والنواحي حاملًا في صدره العقيدة الحقة والعلم الصافي ينشره بين الناس ويدافع به عن حمى الدين، محذرًا من الضلال وأهله بالأدلة والبراهين الساطعة.
شهد مطار العاصمة الأثيوبية هبوط طائرة تحمل معها بشرى سارة لأهل هرر، ليست كغيرها من البشائر، وتحمل رجلًا يكاد لا يكون في زماننا هذا مثيل له، وهو المحدث العلامة الشيخ عبد الله الهرري، عائدًا إلى بلده ومسقط رأسه بعد ما يقارب الخمسين سنة على رحيله عنها، محققًا بذلك أماني المسلمين في تلك البلاد الذين بقوا سنين ينتظرون هذا الحدث التاريخي المرتقب.
أديس أبابا
وهي أول محطة نزل بها العلامة الهرري بعد أن استقبله أقرباؤه وبعض من معارفه في مطارها. ولبث في العاصمة أيامًا أمضاها في التدريس وعقد مجالس العلم والتحذير من الضلال وأهله.
وقد زاره خلال هذه الفترة مشايخ البلد وأعيانها للترحاب به والاستفادة من علومه. وكان من أبرز وأهم زواره رئيس الإدارة الدينية في هرر الشيخ عبد الرحمن الذي كان في زيارة للعاصمة، وزاره أيضًا ابن الإمام الشيخ محمد عبد السلام الذي كان أحد مشايخ ومربّي المحدث الهرري، والذي كان من أجلّ مشايخه وأكابر العلماء والأولياء.
ديردوى
وينتقل المحدث الهرري إلى مدينة ديردوى التي تبعد 650 كلم عن العاصمة ويقضي فيها أيامًا في التدريس والتعليم والتحذير من أهل البدع كشأنه دائمًا، ويزوره خلال هذه الأيام أعيان المدينة ومشايخها الذين توافدوا إليه مع تلامذتهم يتبركون به ويستمعون إلى دروسه، ويظهرون له الكثير من الاحترام والتقدير حيث كانوا يقبلون يده وركبته كعادتهم دائمًا في معاملتهم العلماء الكبار.
ومن الأعيان الذين زاروا المحدث الهرري أحد مريدي الشيخ محمد سراج الجبرتي القاضي تاج الدين الذي أراد لقاء الشيخ لكثرة ما سمعه من شيخه من مدح وثناء على العلامة الهرري، كما زار المحدث الهرري قبر شيخه ومربيه الشيخ محمد عبد السلام الذي دفن في هذه المدينة.
الوصول إلى هرر
كان وصوله رحمه الله إلى هرر يوم الجمعة، فزار قبر والديه وأخيه رحمهم الله قبل الصلاة، ثم توجه إلى مسجد الجامع الكبير حيث صلى الجمعة وبقي في المسجد بعد الصلاة يستقبل الوفود التي جاءت لترحب وتتعرف إليه عن كثب.
بعد ذلك انتقل المحدث الهرري إلى منزل أخيه الحاج علي حيث أقام دروسًا واستقبل مشايخ هرر والنواحي والقرى المجاورة الذين قدموا للقائه، بالإضافة إلى جميع أعضاء الإدارة المحلية في هرر من رجال ونساء أتوا للترحاب به والاستماع إلى دروسه التي كانت بثلاث لغات هي: العربية والهررية ولغة «الأورومو».
المحدث الهرري في عيون أهله
أهل هرر من حيث العقيدة على أصول الإمام أبي الحسن الأشعري، وهم في الفروع يغلب عليهم مذهب الإمام محمد بن إدريس الشافعي، ومن حيث الطريقة فإنهم إما قادرية – وهم الأغلب – وإما رفاعية.
ومما يظهر مكانة وقدر المحدث الهرري عند أهل هرر كونهم جميعًا يقبّلون يده وركبته عند لقائه، وإذا سأله شخص مسألة اكتفى بإجابة الشيخ، قائلًا له بأدب راقٍ: «رضي الله عنكم».
وجميع مؤلفات المحدث الهرري هي جوهرة ثمينة وكنز نفيس عند من يملكها، وهي مستعانهم القوي في إخراج الأدلة والبراهين الدامغة لمحاربة أهل البدع والضلال من مُشبهة وغيرهم. علمًا أن من عادة الهرريين في بيوتهم وجود مصحف مخطوط باليد يوضع في مكتبة البيت فوق الكتب الشرعية.
وأما أقوالهم التي أظهرت محبتهم للمحدث الهرري فقد كثرت على أفواههم، فقد قال بعضهم: «الشيخ أمانتنا التي فقدناها منذ خمسين سنة، وها هي قد عادت إلينا فلن نستغني عنها، ولو اضطرنا الأمر إلى أن نفترش الأرض أمام سيارته حتى يبقى معنا ولا يغادرنا فسوف نفعل ذلك».
أما أخوه الشيخ علي فقد قال: «ما رأيته في حياتي يلعب معنا كما يلعب غيره من الأطفال، وكان يغيب إلى المشايخ والعلماء فلا يرجع إلى البيت إلا قبيل الفجر وهو دون العاشرة بينما الرجال الأشداء في البلد كانوا لا يتجرأون على أن يخرجوا بعد العشاء لكثرة الضباع التي كانت تتجول بين البيوت. ولما بلغ الخامسة عشرة كان يخرج إلى خارج مدينة هرر وينتقل بين المشايخ والنواحي ويغيب الأيام والأسابيع والشهور في طلب العلم».
وأما الشيخ محمد إدريس الذي كان أحد معارفه القدامى فقال مادحًا إياه: «كان الشيخ وما زال من أهل الزهد والتصوف، وكنت أعمل جزارًا وأدعوه إلى أن يأكل اللحم فلا يرضى، بل يكتفي بالشاي والخبز واللبن الذي كان طعامه في كل الأوقات».
وقال أحد زواره من أعيان البلد: «كان الشيخ إذا دخل بلدًا يتعلق به أهلها ويبنون له مسجدًا ويهيئون له بيتًا ليزوجوه إحدى بناتهم ويسكن عندهم، ولكنه كان يضع أحد تلاميذه في المسجد ويرحل إلى بلد ءاخر لينشر الدين ويعلم الناس».
وقال أحدهم: «كان مشهورًا عن المحدث الهرري محاربته للضلال والبدع أنَّى وُجدت، فكان إذا سمع بالبدعة يمشي إليها حالا ولا يكترث للمسافات الطويلة التي قد تصل إلى مئات الكيلومترات والتي قد يقطعها مشيًا على الأقدام، ولا بالوقت الذي قد يستغرق أيامًا».
إن تمسك أهل هرر بعالمهم ومفتي بلادهم الذي نشأ بينهم وتعظيمهم واحترامهم له، لم يكن أوهامًا أو سرابًا، فقد نشأ ذلك من توقد ذكائه وسعة حفظه وحبه لطلب العلم من أهل العلم الكبار، ووقوفه عند حدود الشريعة منذ نعومة أظفاره، إلا أن الشيخ عبد الله الهرري اختار أن يكون معلمًا للخير في أقطار الدنيا، فينتفع به المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها.
وكأني بالشاعر قد عناه بقوله:
لله قوم إذا حلّوا بمنزلة **** حل السرور وسار الجود إن ساروا
تحيا بهم كل أرض ينزلون بها **** كأنهم لبقاع الأرض أمطار
شمائله:
كان العلامة الشيخ عبد الله الهرري رحمه الله عارفا بالله، شديد الورع، متواضعا، صاحب عبادة، كثير الذكر، يشتغل بالعلم والذكر معا، زاهدا، طيب السريرة، لا تكاد تجد له لحظة إلا وهو يشغلها بقراءة أو ذكر أو تدريس أو وعظ وإرشاد، متمسكا بالكتاب والسنة، حاضر الذهن قوي الحجة ساطع الدليل، حكيما يضع الأمور في مواضعها، شديد النكير على من خالف الشرع، ذا همة عالية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة حتى هابه أهل البدع والضلال وحسدوه وافتروا عليه ولكن الله نصره وبارك له في عمله حتى صار له مئات الآلاف من المريدين في لبنان والبلاد العربية والقارات الخمس.
غيبه الموت فجر يوم الثلاثاء الثاني من رمضان عام 1429 هجرية الموافق للثاني من أيلول عام 2008 في منزله في بيروت عن ثمانية وتسعين عاما رحمه الله وأعلى في الجنان مقامه.