بسم الله الرحمن الرحيم
من الجميل الحديثُ عن مكة المكرمة وتاريخِها أن نتوقف عند أثرٍ له في قلوبِ المسلمينَ ذلك الموقعُ العظيم ولا سيّما أنَّه ذو خواصَّ ليست في غيره . إنَّه ماء زمزمَ الذي جعلَ اللهُ فيهِ الشفاءَ والبركة.
لا خلافَ بينَ المؤرخينَ أنَّ أوّل من أظهر زمزم على وجه الأرض هو جبريلُ عليه السلام، وذلك حينما ظمىء نبيُّ اللهِ إسماعيل وهو بعدُ طفل فكانت زمزمُ له سُقيا من الله تعالى. ولمَّا أظهر الله تعالى ماءَ زمزم لإسماعيل جعلت أمُّه هاجر تحوّض عليه خشيةَ نفاذه ، ولو تركته لكان عينًا تجري كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم. ولم يزل ماءُ زمزم ظاهرًا ينتفع به الناس من سكان مكة إلى أن استخفّت “جرهم” بحرمة الكعبة والحرم فدَرَس البئر ، ومرت عليه السُّنون ، سنة بعد سنة
والعصورُ عصرًا بعد عصر إلى أن صار لا يُعرف ، واستمر على تلك الحال حتى بوَّأه اللهُ لعبد المطلب بن هاشم جدّ النبي صلى الله عليه وسلم، فأُتي في المنام وأمِر بحفرها، وجُعلت له علامات استبان بها موضعَ زمزم فحفرها، وكان ذلك قبل مولد النبي صلى الله عليه وسلم حيثُ لم يكن لعبد المطلب من ولدٍ سوى ابنهِ الحارث، كما ذكر صاحبُ “شفاء الغرام”، إلاَّ أنّ الأزرقيّ ذكر في تاريخِه ما يقتضي أنّ الحفْرَ كان بعد مولد النبيّ صلى الله عليه وسلم .
وكانت زمزم قد قلَّ ماؤها جدًا، حتى كان رجل يقالُ له محمد بن مَسْير من أهل الطائف يعملُ فيها قال: وأنا صليتُ في قعرها.
ذَرع بئر زمزم وذِكرُ ما فيها من العيون
ذكر الأزرقيّ أنَّه كان ذرع غور زمزم من أعلاها إلى أسفلها ستينَ ذراعًا، وفي قَعرها ثلاث عيون محاذيةٍ للحجر الأسود، وعينٌ تحاذي أبا قبيس والصفا، وأخرى تحاذي المروةَ، وغورُها من رأسها إلى الجبل أربعون ذراعًا، كله بنيان، وما بقي منه فهو جبل منقور.
وأما صِفة الموضع الذي فيه زمزم فهو عبارة عن بيت مربع في جدرانه تسعةُ أحواض للماء يُملأنَ من بئر زمزم فيتوضأ الناسُ منها، كان ذلك كلُّه قبل التوسعة السعودية. وكان إلى جانب هذا البيت بركةٌ تُملأ من زمزم، وكان لها باب إلى جهةِ الصفا ثم سُدّ، ثم عُمّر عوض ذلك سبيل للسلطان الملك المؤيد أبي النصر ينتفع الناس بالشراب منه.
وفي سنة 933 هـ عُمل لدائر بيت زمزم طراز مذهّب كُتب فيه اسم السلطان سليمان سلالة ءال عثمان .
وفي سنة 948 للهجرة جُدد بيت زمزم .
وفي سنة 1020 للهجرة وضَع السلطان أحمد خان بداخل البئر شبكةً من حديد .
ثم جُددت قبة زمزم سنة 1072 هـ.
وفي سنة 1332 للهجرة أقيمت شبكةٌ من حديد فوق الدرابزين، وقد بنى الملك عبد العزيز ءال سعود سبيلين بجوار زمزم ومظلةً للشارِبين، وجدد عَمارة السبيل القديم.