الدّروس العامّة

الكتابة وخط المصحف

خط المصحف لا يقاس عليه أولا:
الكتابة في اللغة: مصدر كتب إذا خط بالقلم وجمع وضم وخاط وخرز.

وأما في الاصطلاح: فالكتابة نقوش مخصوصة ذات أصول بها تعرف تأدية الكتابة بصحة
ويقال لها أي: ( الكتابة ) فن رسم الحروف، وقد سموا هذا العلم بعلم الخط القياسي أو الاصطلاحي في مقابلة خطين لا يقاس عليهما فالخطوط ثلاثة:

النوع الأول: هو خط المصحف العثماني، ورسمه سنة متبعة مقصورة على المصحف، فلا يقاس عليه، لأن بعضه خارج عن المصطلح عليه في فن الإملاء أي خارج عما اصطلح عليه في فن الإملاء.

النوع الثاني: الخط العروضي فهذا يكتب ما يسمع وما يلفظ منه مثل قول الشاعر:
أمحمد ولدتك خير نجيبة ……. في قومها والفحل فحل مُعرق
( أمحمد ) يعني النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا يكتب عروضيا على حسب ما يسمع، فما سمع كتب وما لم يسمع ولو كان مكتوبا في الأصل فإنه لا يكتب عروضيا، فالخط العروضي يكتب فيه ما يسمع، وهو مبني على الحركة والسكون، فالميم المشددة تكتب ميمين والتنوين يكتب نون مثبتة، فهذا البيت إذا كتب عروضيا كتب هكذا:
أمحممدن ولدتك خير نجيبتن ….. في قومها والفحل فحلن معرقو
متفاعلن متفاعلن متفاعلن …. متفاعلن متفاعلن متفاعلن

النوع الثالث: الخط القياسي الاصطلاحي وهو المقصود معنا هنا، فإنه ليس جاريا على اللفظ كما يجري العروض، وقد يحذف منه ما يثبت في اللفظ، وقد يزاد فيه ما لم يتلفظ به، وقد يكتب حرف بدل آخر ككتابة ( بشرى ) بالياء واللفظ بالألف، وكتابة ( إذًا ) بالألف واللفظ بالنون وغير ذلك.

وخطَّ المصحف لا يُقاس عليه، قالَ السيوطيُّ في الفريدةِ :

وَفِي ( لَدَى ) الْخُلْفُ حَكَاهُ النَّاسُ
وَالْخَطُّ فِي الْمُصْحَفِ لَا يُقَاسُ

وقال ـ رحمَهُ اللهُ ـ في الشرح :
وخرج عما أصَّلنا خطانِ أحدُهما : رسمُ المصحف الشريف .

فإنه كُتِبَتْ فيه أشياءُ على خلافِ القياس السابق منها: نعْمَت في مواضعَ بالتاء، وكذا امرأت، وزيد فيه الألف بعد واو الفعل المفرد وواو جمع الاسم إلى غير ذلك مما هو مُدَونٌ في كتبِ الرَّسم اتباعًا لرسْم الصحابةِ ـ رضوانُ الله عليهم أجمعين ـ

وقال: وأما مرسوم الخط فلما كان خط المصحف هو الإمام الذي يعتمده القارئ في الوقف والتمام ولا يعدو رسومه ولا يتجاوز
مرسومه قد خالف خط الإمام في كثير من الحروف والأعلام ولم يكن ذلك منهم كيف اتفق بل على أمر عندهم قد تحقق وجب الاعتناء به والوقوف على سببه ولما كتب الصحابة المصحف زمن عثمان رضى الله عنه اختلفوا في كتابة التابوت فقال زيد التابوه وقال النفر القرشيون التابوت وترافعوا إلى عثمان فقال اكتبوا التابوت فإنما أنزل القرآن على لسان قريش

وقال ابن درستويه خطان لا يقاس عليهما خط المصحف وخط تقطيع العروض

وقال أبو البقاء في كتاب اللباب ذهب أهل اللغة إلى كتابة الكلمة على لفظها إلا في خط المصحف فإنهم اتبعوا في ذلك ما وجدوه في الإمام والعمل على الأول فحصل أن الخط ثلاثة:

أقسام خط يتبع به الاقتداء السلفي وهو رسم المصحف وخط جرى على ما أثبته اللفظ وإسقاط ما حذفه وهو خط العروض فيكتبون التنوين ويحذفون همزة الوصل وخط جرى على العادة المعروفة وهو الذى يتكلم عليه النحوي

ثانيا: العلماء مجمعون على ما جرت عليه العادة في الكتابة المعروفة، وكل ما كتبوه مما وصلنا قد كتب بالخط الاصطلاحي بل وكبار أئمة القرآن كانوا من علماء اللغة كالإمام الكسائي رحمه الله تعالى
كتب هو وغيره من أئمة اللغة ومن جاء بعدهم كتبهم بالخط الاصطلاحي ولم يقولوا: نتبع خط المصحف ونقتدي به لأن كتاب الوحي أكثر منا فهما، وليس ما استحدث استدراكًا عليهم، ولا تسَـقُّطًا لَهم، لأن كتابة المصحف توقيفية خاصة بالمصحف فقط، وكتابة المصحف على الرسم العثماني قد توقع الناس في الحيرة والخطأ، والمشقة والحرج، ولا تمكنهم من القراءة الصحيحة السليمة.
و ليس في القرآن، ولا السنة المطهرة، ولا في إجماع الأمة، ولا في قياس شرعي – ما يدل على وجوب الكتابة بخط المصحف.

الوسوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

Enable Notifications    Ok No thanks