حكم الدين مع الشيخ جميل حليم الدرس 2

برنامج حكم الدين مع فضيلة الشيخ الدكتور جميل حليم الحسيني حفظه الله

الدرس 2

المقالة:

كيف يَضْبِط الْإِنْسَانُ قَلْبَهُ مِنْ التَّقَلُّبِ السَّرِيع والانجرار نَحْو التَّفَلُّتِ مِنْ أَدَاءِ الْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ ؟”

الْجَوَابُ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ هُوَ أَنْ يَسْتَحْضِرَ الْإِنْسَانُ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ ضَعِيفٌ ، وَأَنَّه مَخْلُوقٌ ، وَأَنَّه ميِّت ، وَأَنَّه رَاحِلٌ عَنْ هَذِهِ الدُّنْيَا. الْعَبْدُ الذَّكِيُّ الْعَاقِل يَسْتَحْضِر هَذِهِ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مسؤولون} وَيَسْتَحْضِر “أَنَا لِمَاذَا خُلِقْتُ؟” قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلَّا لِيَعْبُدُونِ}. إذَا الْوَسَاوِس الَّتِي تُحَرِّكُ الْإِنْسَانُ لِيَتْرُك الشَّرِيعَة ، لِيَتْرُك الشَّرِيعَة ، الْوَسَاوِس الَّتِي تُحَرِّكُ الْإِنْسَانَ لِيَتْرُك الشَّرِيعَةِ أَوْ ليتفلت مِنَ الْفَرَائِضِ الدِّينِيَّة، إنْ كَانَتْ مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ أَوْ مِنْ شَيَاطِينِ الْجِنّ، كَيْف يُخَالِفُهَا الْعَاقِل؟ كَيْف يُعْرِضُ عَنْهَا الذَّكِيّ؟ بِأَنْ يَقُولَ لِنَفْسِه “يَا نَفْسُ اعرِضي نَفْسَك عَلَى نَارٍ الدُّنْيَا، هَل تُطِيقِين حَرَارَةَ أَوْ قُوَّةَ نَار الْكِبْرِيت الَّذِي هُوَ شَيْءٌ صَغيرٍ بِالنِّسْبَة لِعَذَاب جَهَنَّم “هَذَا الْعَذَابُ أَوْ هَذِهِ النَّارُ الْخَفِيفَة الضَّعِيفَة الصَّغِيرَةُ الَّتِي هِيَ كَلَا شَيْء بِالنِّسْبَة لِعَذَابِ الْقَبْرِ، وَكَلَا شَيْءٍ بِالنِّسْبَة لِعَذَاب جَهَنَّم، فَمَا الْجَوَابُ؟ ستقول “لا أُطِيق ذلك” فَإِنْ كُنْت أَيها الإنسان، وَإِنْ كُنْت أيَتها النفس لَا تُطِيقِين ذَلِك، فَكَيْف بِعَذَابِ اللَّهِ، كَيْفَ بِعَذَابِ جَهَنَّم، فَيُخَالِف هَذِه الْوَسَاوِس وَهَذِه الْخَوَاطِر، وَلَا يَلْتَفِتُ إلَيْهَا وَلَا يُقْبِلُ إلَيْهَا، بَل يُعْرِضُ عَنْهَا وَيُقْبِل إلَى الْفَرَائِضِ، إلَى طَاعَةِ اللَّهِ، إلَى عِبَادِةِ اللَّهِ، إلَى الْوَاجِبَات، مِنَ التَّعَلُّمِ وَالْعَمَل وَالتَّطْبِيق وَالِالْتِزَام وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَوَاتِ، مِنَ الْقِيَامِ بِخِدْمَة الدِّين وَالدَّعْوَة، مِنَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ. إذًا انْتَبَهُوا مَعِي، هَذَا السُّؤَال “كَيْف يَحْفَظ الْإِنْسَانُ قَلْبَهُ، كَيْف يَحْفَظ الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ مِنْ الانْجِرار وَرَاءَ هَذِهِ الْوَسَاوِس الَّتِي تُبْعِدُه عَنْ الشَّرِيعَةِ؟” بِأَن يُخَالِفَهَا ، مِنْ أَنَّ يَبْعُدَ عَنْهَا ، أَلَيْسَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}، مَا مَعْنَى “وأما مَنْ خَافَ مَقَامَ ربه” يَعْنِي خَاف وُقُوفَه يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلسُّؤَال وَالْحِسَاب. اللَّهُ لَا يَكُونُ حَالًا فِي مَوْقِفِ الْقِيَامَةِ، لِأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ جَسَدًا، وَلَيْس كَمِّية ، وَلَيْس جِسْمًا، فَكَمَا أَنَّ اللَّه لَا يَسْكُنُ السَّمَاء، وَلَا يَجْلِسُ عَلَى الْعَرْشِ، لَا يَكُونُ حَالًا أَوْ مُتَحَيِّزًا فِي مَوَاقِفِ الْقِيَامَة، لَا يَكُونُ مُخَالِطًا لِلْإِنْسِ وَالْجِنِّ فِي مَوَاقِفِ الْقِيَامَة، لَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَخْلُوقِين مُبَاشَرَةٌ أَوْ مُقَابَلَة، لِأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ. وَلَكِنْ هَذِهِ الْآيَةُ {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ} أَيْ خَافَ وُقُوفَه يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلسُّؤَال وَالْحِسَاب، وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى. الْهَوَى فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَا تَمِيلُ إلَيْهِ النَّفْسُ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ، مِنْ الْقَبَائِحِ، مِمَّا يُخَالِفُ الشَّرِيعَة. إذَا فَعَلَ ذَلِكَ: خَافَ مِنْ اللَّهِ، وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى، مَأْوَاه الْجَنَّة {فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} لِذَلِك إخْوَانِي وأخواتي، أَعْرَضُوا عَنْ هَذِهِ الْوَسَاوِس، اطردوا هَذِهِ الْخَوَاطِر، إنْ كَانَتْ مِنْ إنسٍ أَوْ مِنْ جِنَّ، تُوَسْوِسُ لَكُم بِتَرْك الْفَرَائِض، بِتَرْكِ الصَّلَاةِ، بِتَرْكِ الْعِلْمِ، بِتَرْك بِرِّ الْوَالِدَيْنِ، بِأَن تُرِيد لِلْوَاحِد مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ مَعَهَا بِالْخَبَث وَالْفَسَاد، فِي الْفِسْقِ وَالْفُجُورِ، فِي الْآثَامِ وَالْمُحَرَّمَات، فِي الْمُنْكَرَاتِ، لَا تَلْتَفِتُوا إلَى هَذِهِ الْخَوَاطِرِ. وَهُنَا سُؤَالٌ، يُوَجَّه لِهَذَا السُّؤَالِ، يَعْنِي السُّؤَال “إذَا كَانَتْ الْخَوَاطِر وَالْوَسَاوِس تُرِيد مِنْك أَوْ مِنْكُمْ أَنْ تَتَفَلَّتُوا مِنْ الشَّرِيعَةِ، سَلُوا النَّفْس، أَوْ مَنْ يَطْرَحُ عَلَيْكُمْ ذَلِكَ مِنْ الْإِنْسِ، قُولُوا لَهُمُ أَوْ لَهَا “لَوْ أَنَّ إنْسَانًا طَلَب مِنْكُمْ أَوْ مِنْكِ أَنْ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ بالانتحار، بِإِحْرَاق أَبْدَانِكُم، بقلعِ عيونِكُم بِالسَّكَاكِين، هَل تَفْعَلُون ذَلِك؟” الْعَاقِلَ لَا يَفْعَلُ، الذَّكِيّ لَا يَفْعَلُ، الْفَطِن لَا يَفْعَلُ، الْإِنْسَانُ المتدبرُ لَا يَفْعَلُ، بَل يَضْحَك عَلَى مَنْ يَطْلُبُ مِنْهُ ذَلِكَ. فَكَيْف تستجيبون لِمَنْ يَطْلُبُ مِنْكُمْ أَنْ تَكُونُوا مَعَهُ فِي جَهَنَّمَ، وَهُو الشَّيْطَان. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ فِي سُورَةِ إِبْرَاهِيم {وَقَال الشَّيْطَان لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إنَّ اللَّهَ وَعَدَكُم وَعدَ الْحَقِّ وَوَعَدتّكُم فَأَخلَفتُكُم وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إلَّا أَنْ دَعَوْتُكُم فاستَجَبتُم لِي فَلَا تلوموني ولوموا أَنْفُسَكُم} مَشَوْا خَلْفَه كَالْغَنَم، اتَّبَعُوه كَالْغَنَم، ثُمَّ هُوَ يَتَبَرَّأ مِنْهُم. رَأَيْتُم، هَذِه الْوَسَاوِس الْخَبِيثَة الشَّيْطَانِيَّة، إلَى أَيْنَ تُوصِل وَمَا هِيَ النَّتِيجَة فِيهَا، فَإِذًا السُّؤَالُ هُوَ “كَيْف نَتَخَلّص مِنْ الْوَسَاوِسِ الَّتِي إذَا تَبِعَهَا الْإِنْسَانُ أَوْ عَمِلَ بِهَا يَتَفَلَّت مِنَ الشَّرِيعَةِ، مِنَ الْأَحْكَامِ، مِنَ الْفَرَائِضِ؟ “بِأَن يُعْرِضَ عَنْهَا، بِأَنْ لَا يَلْتَفِتَ إلَيْهَا، أَنْ لَا يَعْمَلَ بِهَا، بَلْ أنْ يَتَّقي اللَّهَ، وَإأن يَسْتَحْضِر أَنَّهُ مُكَلَّفٌ، مَأْمُورٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِمُلَازَمَة الْوَاجِبَات وَاجْتِنَاب الْمُحَرَّمَات، فَيُسْرِع إلَى طَاعَةِ اللَّهِ، وَيَهْرُبُ مِنْ مَعْصِيَةٍ اللَّهِ، قَبْلَ أَنْ يَبْكِيَ ، وَقَبْلَ أَنْ يَنْدَمَ، وَقَبْلَ أَنْ يَتَحَسَّر، وَقَبْلَ أَنْ يَحْتَرِقَ قَلْبُهُ فِي الْعَذَابِ وَالنَّكَد بَعْدَ الْمَوْتِ، حَيْثُ لَا يَنْفَعُ الْبُكَاء وَلَا الْحَسْرَة وَلَا النَّدَم. أَمَّا الْآنَ مَا زِلْنَا فِي دَارِ التَّكْلِيفِ، فَأَقْبِلُوا إلَى طَاعَةِ اللَّهِ، أَقْبِلُوا إلَى الْفَرَائِضِ، إلَى خِدمَةِ الدِّين وَالدَّعْوَة، إلَى التَّعَلُّمِ وَالتَّعْلِيمِ وَنَشْرِ الْإِسْلَام، وَتَعْلِيم الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ، التَّوْحِيد وَالْعَقِيدَة، التَّنْزِيه، وَأنَّ اللَّهَ لَا شَرِيكَ لَهُ، مَوْجُودٌ بِلَا مَكَان. عَلِّمُوا النَّاسَ أَن يَلْتَزِمُوا بِالصَّلَاة، بِالصِّدْق، بِالْأَمَانَة، بِبِرِّ الْوَالِدَيْنِ، وَأن يتجنبوا الْكَذِبَ وَالْغِيبَةَ وَالنَّمِيمَةَ، وَأن يبتعدوا عَنْ عُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ، وَعَنْ شُرْبِ الْخَمْرِ، وَأن يُحافِظوا عَلَى الصَّلَوَاتِ قَبْلَ فَوَاتِ الأَوَانِ، وَالْمَوْتُ أمَامَنَا، ويعمنا جَمِيعًا، فلنتق اللَّهَ تَعَالَى وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين.

أضف تعليق